ضعف؛ فرأوا أنه ليس من العقل ولا الشجاعة الإقدام على قتاله. وهم مع ذلك واثقون بحماية الله تعالى لبيته، فكأنهم قالوا: لا نرى أن الله عزَّ وجلَّ يكلفنا القتال في هذه الحال، وعندنا وثوق بأنه سيحمي بيته، فإن حماه وكفانا الأمر فهو على كل شيء قدير، وإن مكنهم من هدمه أمكننا أن نعيد بناءه.
وأما ما روي أن القبائل قاتلت أبرهة في طريقه، فإنما جاء في تلك الروايات التي ينكرها المعلم، وإنما ذكروا قبيلتين:
الأولى: رجل من أقيال اليمن، يقال له: ذو نفر.
والثانية: قبيلة خثعم.
وقتال هؤلاء لا يستغرب، لأنهم ليسوا مجتمعين في بلد يخافون خرابه، ولا لهم تجارة يخافون انقطاعها. على أن هاتين القبيلتين لم تلبثا أن غُلبتا، واستسلم رؤساؤهما، وذلك مما يزهِّد غيرهما في القتال.
وأما قدوم أبرهة، فالمشهور أنه كان في النصف الثاني من المحرم (١). وما احتج به المعلِّم على أنه كان في أيام الحج لا حجة فيه.
أما قول شاعرهم:
الآخذ الهجمة فيها التقليد
[ص ١٣] فقد كانوا يقلّدون غير الهدي، كانوا يقلدون البُهْم من لحاء شجر الحرم، يحمونها بذلك من النهب والسرقة، فإن العرب كانت
(١) قال السهيلي: "كانت قصة الفيل في أول المحرّم ... " الروض الأنف (١/ ٢٧٠).