(١) قال عبد الرحمن: قوله: "ظنوا ... فلم يمكنهم ... " يعطي أن أهل العلم يرون أنّ هناك مانعًا قويًّا من رمي الطير، ولكنهم اضطرّوا إلى قبوله إذ لم يجدوا مساغًا للتأويل. والمعلِّم رحمه الله يرى أن هذا حسن ظنّ بأهل العلم، ولو فكّر لَعلِم أنه سوء ظنّ بهم؛ فإننا قد أسلفنا إبطال ما ذكره المعلِّم رحمه الله تعالى من الشبهة، وبيّنّا أنه لا مانع إلّا أن يستبعد رجل رمي الطير من جهة مخالفته للعادة، وإنما يقع هذا لمن ضاق صدره من سخرية الملحدين بالخوارق، وانتفخ سحره من تهاويلهم، ولم يفزع إلى ما يعلمه من قدرة الله عزَّ وجلَّ وما قصّه في كتابه من الخوارق، وما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها؟ ولا حقّق النظر في المعقول والعلوم الكونية، فينكشف له أنه ليس فيها شبهة قوية تنفي الخوارق، بل فيها ما يقضي بصحتها ووقوعها.
[ص ٤٦](٢) وقوله: "ولكنّا بينّا في الفصل الأول أن الخطاب ههنا إلى أفراد أهل مكة" فيه أمران:
الأول: أنا قد أسلفنا أنه رحمه الله قال أولًا: "اعلم أن الخطاب ههنا متوجه إلى جميع من رأى هذه الواقعة أو أيقن بها من طريق تواتر الحكاية"، وقال في موضع آخر: "فإنه لا يخاطب به إلا فيما لا يخفى على أحد، كأنه رآه كل من يخاطب به وإن لم يره بعينه".
ووافقته في الجملة على هذا، وأوضحت أن السورة خطاب لكل من يصلح للخطاب إلى يوم القيامة، وأن لا وجه لتخصيص الخطاب بأهل