وإن كان في غير ما وضعت له فهي مجاز"، فرأى أن معنى هذا أنّ المجاز لا حظّ له في الوضع العربي البتة. وإذا كان كذلك فالألفاظ المجازية ليست بعربية، وقد ثبت أن القرآن عربي، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عربي، وكل ما ثبت عن فصحاء العرب فهو عربي، فلا مجاز إذن في ذلك.
والقوم يثبتون للمجاز حظًّا في الوضع العربي، ولكنهم قسموا الوضع إلى تحقيقي كوضع "أسد" للسبع المعروف، ووضع "مضروب" لمن وقع عليه الضرب؛ وتأويلي وهو المجاز كوضع "أسد" للرجل الشجاع. قالوا: وأما إطلاقنا أنّ المجاز مستعمل فيما لم يوضع له، فمرادنا بالوضع هنا الوضع التحقيقي، وأطلقنا لأنّه المتبادر من كلمة الوضع (١).
قال عبد الرحمن: فظنّي أنّ الأستاذ لو وقف على هذا البيان لما كان عنده خلاف، والله أعلم. وأما الظاهرية ومن وافقهم فقد يكون حالهم كحال الأستاذ، فإن صحّ ما حكي عنهم [ص ٤] من قولهم: المجاز شبيه بالكذب، والاستعارة إنما يفزع إليها من عجز عن الحقيقة، فكأنهم يخصّون اسم المجاز بما فقدت قرينته أو ضعفت، أو فقدت علاقته أو ضعفت، أو لم يكن للعدول إليه فائدة لا تحصل بالحقيقة. فإن كان هذا فلا خلاف، فإن أهل العلم معهم على أن مثل هذا لم يقع في القرآن. وإنما الواقع فيه ما ظهرت قرينته، وقويت علاقته، وجلّت فائدته. فإن كانوا لا يسمّونه مجازًا فلا مشاحّة في الاصطلاح.
نعم، توسعت المبتدعة في دعوى المجاز، فحرّفوا كثيرًا من نصوص الكتاب والسنة، وزعموا أن نصوصهما لا تفيد إلا الظنّ. ويكفي في دحض