وذكر المعلِّم أمثلة من القرآن أصرحها قول الله عزَّ وجلَّ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: ٢٣ ــ ٢٤]. فالخطاب في قوله:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ} وما بعده لواحد لا بعينه، كأنه قيل:"إما يبلغن عندك أيها الإنسان" على حد قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار: ٦].
قال عبد الرحمن: أرى أن المعلِّم رحمه الله تعالى أجاد باختيار هذا الوجه، وإن لم ينقل عمن تقدم. فإنه ليس في القول به زيادة في الدين، ولا نقص منه، ولا ردّ رواية صريحة، ولا تعسف في التأويل, ولا مداهنة للمرتابين، ولا فتح باب للتحريف، ولا غير ذلك مما قد يكون في نفي رمي الطير. وهو مع ذلك الأوفق بما يقتضيه المقام من تقرير الواقعة، وبيان ظهورها واشتهارها، [ص ١٠٢] والإبلاغ في الوعيد والتهديد والامتنان.
فإن الإنسان إذا تلا السورة، أو تليت عليه، واستحضر المعنى المذكور، شعر بأنه يخاطب بها مباشرة، فكان أجدر أن يعمل فيه ما فيها من الوعيد والامتنان، إن كان من أهله.
ثم رجع المعلِّم رحمه الله تعالى فخص الخطاب بقريش، فكأنه قيل: قد علمت أيها القرشي. ولا أحفظ لهذا نظيرًا في الخطاب بلفظ الواحد بدون تقييده بما يخصصه، بل إما أن يكون لواحد معين، وإما أن يكون لكل أحد يصلح أن يخاطب.