والحصب هو الرمي بالحصباء، وتحصيب المكان هو حصبه كثيرًا، أي إلقاء الحصباء فيه، وفرشه بها، كما في أثر عمر أنه أمر بتحصيب المسجد (١).
والأول هو المتعين هنا، لأنه لم ينقل أن الناس نقلوا الحصباء إلى موضع الجمار، وفرشوه بها، ولا يظهر غرض لذلك. فالمحصب اتفاقًا اسم مكان حقيقي، فليكن اسم مكان صناعيًّا، لا اسم مفعول. وعبارة الأصمعي واضحة في ذلك، إذ قال:"المحصَّب حيث يُرمى الجمار" إذ الرمي هو الحصب.
فثبت بهذا أن رمي الجمار كان معروفًا قبل واقعة الفيل، حتى اشتهر اشتقاق اسم المكان منه، وصار علمًا مشهورًا، أو كالعلم، فاستعمله نفيل.
فإن قلت: فقد ذكروا أن الأبطح، وهو خيف بني كنانة يسمى "المحصب" أيضًا، وأنه سمي بذلك لكثرة الحصباء في أرضه.
قلت: لا أعرف لهذا وجهًا، والشيء إذا كثر بالمكان إنما يشتق له اسم على وزن مَفْعَلَة، كما قالوا: مأسدة، ومسبعة، ومبطخة. بل وقالوا: أرض محصبة، أي كثيرة الحصباء. فأما أن يشتق له منه اسم بوزن مُفعَّل، فلا أعرفه. وإطلاقهم على الأبطح "المحصَّب" يحتمل وجوهًا أخرى:
منها: أن يكون هذا الاسم في الأصل للموضع الذي يحصب فيه الجمار، ويدخل ما قارب موقع الجمار، كالأبطح. ثم لما اختصّ [ص ٧٤] الأبطح باسم الأبطح، وخيف بني كنانة، توهم أن المحصب اسم مشترك للموضعين.