كفرة قريش، والظاهر أنه أبو لهب ... فكأنه قيل له: ألم تر كيف حطم الله أمثالك ... وقد علمت أنك لم تغلب عليهم بقوتك، بل بنصر من الله ... فاتضح مما قدمنا أن عمود هذه السورة تمهيد وجوب الشكر لله تعالى، بذكر ما جعل لأهل مكة خصوصًا، والعرب عمومًا من العزة والكرامة ... ".
قال عبد الرحمن: حاول رحمه الله تعالى أن ينفي التهديد، فلم يزل به الحق حتى اضطره إلى إثباته، كما ترى.
فأما قوله: "فهؤلاء المشركون أولى بأن ينبهوا ... " فهذا التنبيه حاصل على ما قررته كما عرفت، فالسورة فيها وعد، أو قل: تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتهديد للمسرفين، ولاسيما أهل مكة. وامتنان على أهل مكة، ولا تنافي بين هذه المعاني، فلا ضرورة إلى قصر السورة على واحد منها.
وقوله: "صار حجة لهم ... " ليس بشيء، فإن التهديد إنما هو بأن يصيبهم [ص ٩٥] رب البيت بعذاب ما، لا خصوص أن يسلط عليهم جيشًا من غيرهم. وخصمهم عند نزول السورة ثلاثة:
الأول: رب البيت عزَّ وجلَّ، لأنهم محاربون له أشد من محاربة أصحاب الفيل.
الثاني: البيت نفسه، فإن المقصود الأعظم مما فعل الرب عزَّ وجلَّ بأصحاب الفيل هو حماية البيت، وهم قد أهانوه أشد من إهانة أصحاب الفيل، فنجسوه بالأوثان، وأشركوا بالرب فيه، وسعوا في خرابه، ومنعوا من عبادة الله عنده.