للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٩٧] قال عبد الرحمن: يلوح لي أن الأصل في الاستفهام المجازي تنزيل المتكلم نفسه منزلة خالي الذهن عن الحكم الطالب للفهم، فيأتي بصورة الاستفهام، كما يأتي بها هذا؛ ليريك أنه لم يتحكم عليك، بل ترك الحكم إليك. فإن هذا أدعى لك إلى التدبر والتبصر، وليعلم من سمع الكلام وعرف حقيقة حال المتكلم أنه إنما أتى بهذا الأسلوب لوثوقه بأنك إذا تدبرت وتبصرت وافقته في الحكم، وأنه يرى أن الأمر بغاية الظهور إن احتاج إلى شيء فإلى التدبر والتبصر. وهذا هو التقرير بمعنى الحمل على الإقرار.

ثم إن كان الحكم عند المتكلم الإثبات، فالأغلب أن يؤتى عقب الهمزة بأداة نفي، كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: ١]. وإن كان النفي فالغالب أن لا يؤتى بأداة نفي كقوله تعالى: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: ٦١ و ٦٣ و ٦٤].

والسر في ذلك ــ والله أعلم ــ هو تأكيد المعنى المتقدم، لأن الاستفهام إذا جاء في الصورة عن الإثبات كان فيه إيهام أن المتكلم يريد حملك على الإثبات، كما أشار إليه الشُّمُنِّي قال: "لأن الحكمة اقتضت أن يذكر تقرير الإثبات بصورة النفي، قصدًا إلى الدلالة على أنَّ المُقِرَّ على يقين مما أقرَّ به، وأنه لم يتلقن ذلك من تقرير المتكلم (١).

والتقرير الذي يعلم منه الإثبات نحو {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} قد يطلق عليه أنه تقرير بمعنى آخر، وهو تقرير الحكم بمعنى تثبيته وتحقيقه.

والذي يقصد منه النفي يسمى إنكاريًّا إبطاليًّا، وقد يطلق على نحو {أَلَمْ نَشْرَحْ} إنكار إبطالي على معنى أنه إنكار يبطل نفي الشرح.


(١) حواشي الشمني على مغني اللبيب (١/ ٣٨). [المؤلف].