للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أن التوبيخ أريد به ما يعم اللوم والعتاب، فلا تغفل!

[ص ٩٩] فأما الوعد، والوعيد والتهديد، والامتنان، فيلوح لي أنها إنما تفهم من فحوى الكلام. فمثال الوعد قول الله تبارك وتعالى: {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ... } الآيات [الضحى: ١ ــ ٦]. أي فسوابق العناية تدل على لواحقها.

وعليه قول الشاعر (١):

اللهُ عوَّدك الجميـ ... ـلَ فقِسْ على ما قد مضى

وهذا هو الوعد، لكنه إنما أخذ من فحوى الكلام، لا من خصوص الاستفهام، ولو قيل: "وجدك ربك يتيمًا فآوى ... " بدون استفهام، لكان الوعد حاصلًا.

ومثاله مع الوعيد والتهديد قوله عزَّ وجلَّ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [المرسلات: ١٥ ــ ١٨]، فأصل الاستفهام للتقرير، وفُهِمَ من الكلام: الوعد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بإهلاك عدوهم، والوعيد والتهديد للمكذبين؛ فإن إهلاك الله تعالى للمكذبين من الأولين والآخرين ظاهر الدلالة على أن تلك سنته.

ومثال الامتنان قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ


(١) هو الصفيّ الحِلّي انظر: الكشكول ١/ ٢٧٣.