على أن حكاية القصص والوقائع لا يجب أن تدقق فيها العبارة تدقيقها في العقائد والأحكام، فقد يطلق فيها العام مرادًا به الخاص، اكتفاءً بقرينة ليست بغاية القوة، كأن يكون اكتفى ههنا بمشاهدة العرب، ونقلهم [ص ١١٥] أن بعض أفراد ذلك الجيش نجوا، والله أعلم.
ويكفي في صحة الوجه الثالث ــ وهو التفرق ــ تفرق أفرادهم، كما في القصة أنهم ذهبوا يتساقطون عند كل منهل؛ إذ لا يلزم من تشبيه شيء بشيء مساواته به من كل وجه. كيف، ولو قلنا بتساقط أعضائهم، وأكل الطير لحومهم لبقيت عظامهم، فهل يلزم أن يدعى أن عظامهم تهشمت حتى صارت في قدر العصف؟
فأما ما جاء من تساقط أعضائهم بالداء الذي أصابهم، فلعله كان ذلك في بعضهم، فقد جاء أن أبرهة جرى له كذلك. ويمكن أن يكون أصاب عتاة أصحابه مثل ما أصابه. وأما أكل الطير فقد تقدم البحث فيه مستوفى في القسم الأول. والله أعلم.
فانظر إلى هذا النظام البديع في هذه السورة:
الآية الأولى: أجملت ما فعل الرب بأصحاب الفيل، وشوقت إلى معرفته.
والآية الثانية: بيّنت أول ما فعله الربُّ بهم، وهو تضليله كيدهم.
والثالثة: بينت مقدمة العذاب، والواسطة فيه.
والرابعة: بينت صفة العذاب.
والخامسة: بينت ما ختمت به الواقعة، وهو هلاك القوم.