للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله:

رُبَّ حَيٍّ سقيتَهم جُرَعَ المو ... تِ وحيٍّ سقيتَهم بسجالِ (١)

إلّا أنّها مع الماضي تفيد التكرر في الماضي، وأمّا مع المضارع فتفيد التكرر في الماضي والمستقبل لأنّ أصل المضارع للحال.

وأما (قد) فيلوح لي أن التكرار معها من الفعل. فإن أصل معنى (قد) أن تكون للتحقيق مع الماضي كقولك: "قد خرج زيد". وتفيد التوقّع على شكٍّ مع المضارع، كقولك: "قد يقدم زيد غدًا". فإذا استعملت مع المضارع للتكرار فقد تكون للتقليل. ومن أمثالهم: "قد يَبلغُ القَطوفُ الوَساعَ، قد يُبْلَغُ الخَضْمُ بالقَضْمِ، قد تَقْطَع الدَّوِّيَّةَ النَّابُ، قد يُؤتَى على يَدَي الحريصِ، قد يُدْرِك المُبطِئُ من حَظِّه" (٢).

وقد تكون للتكثير كبيت العروض:

قد أشهدُ الغارةَ الشَّعواءَ تَحمِلُني ... جَرْداءُ معروقةُ اللَّحْيَيْنِ سُرْحُوبُ (٣)

[ص ١١] فكأن التي للتقليل هي التي للتوقع في المستقبل، دخلت على المضارع الاستمراري فأفادت أنه لا يزال متوقَّعًا على شكٍّ، فجاء التقليل، وتحقق الوقوع في الماضي مع التوقع في المستقبل. وذلك أنه لو لم يقع البتة أو


(١) جمهرة أشعار العرب ص (١٣٣). [المؤلف]. وانظر ط الهاشمي (١/ ٣٣٩)، وديوان الأعشى (٥٩) وروايته: ... رُبّ حيٍّ أشقاهُمُ آخر الدَّهْـ ... ـرِ وحَيٍّ سقاهُمُ بِسِجالِ
(٢) انظر: مجمع الأمثال (٢/ ٤٧٨، ٤٩٧، ٥٠٥، ٥٠٦).
(٣) لامرئ القيس في ديوانه (٢٢٥)، ويقال: إنها لإبراهيم بن بشير الأنصاري.