للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{عَلَيْهِمْ} (١).

الوجه السادس: أنه لو كان المعنى: "ترميهم أنت" لكان جملة {تَرْمِيهِمْ} مستقلة عما قبلها ومناسبة لها. وهذا من التوسط بين الكمالين، وهو من مواضع الوصل. فحقه أن يقال فيه: "وأنت ترميهم"، ويتأكد ذلك هنا بدفعه الإلباس (٢). فلما قال تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} تعيّن أن يكون المراد: ترميهم تلك الطير.

فإن قيل: قد ذكروا أن الحال قد تجيء مقدرة بأن تكون متأخرة عن عاملها، ومثّلوا له بقول الله عزَّ وجلَّ: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣]. قالوا: التقدير: ادخلوها مقدَّرًا خلودكم.

قلت: حاصله أنّ قوله: {خَالِدِينَ} مجاز، لما كانوا مقطوعًا بخلودهم في المستقبل أطلق عليهم {خَالِدِينَ} في الحال من باب تنزيل ما عُلِم أنه سيقع، فإنما حاصل الخلود الاستمرار على الحال الحاصلة بالدخول. ولا يتأتى مثل هذا في {تَرْمِيهِمْ}.

أيضًا فقد يحتمل أن يكون قوله: {فَادْخُلُوهَا} ضمّن معنى "اسكنوها". وعلى هذا فالمقارنة أبين، لأن معنى الخلود فيها هو إنما هو دوام سكناها.

فإن قيل: فقد ذكروا من أمثلة الحال المقدر قول الله عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ


(١) انظر: الفائدة الثالثة عشرة. [المؤلف].
(٢) انظر: الفائدة الرابعة عشرة. [المؤلف].