أكلت جثث الموتى، والآخر: أنها رمت أصحاب الفيل بالحجارة. ثم يثبت الأول، ويرد الثاني. وقد حاول المعلِّم ــ رحمه الله ــ ذلك.
أما الأول: فبادعاء أن رواية سعيد بن جبير صريحة في الأكل، وأن رواية ابن عباس التي ذكرها ابن جرير تُشعر به، ويوافقها جزء من رواية عكرمة، وأكد ذلك بقوله (ص ٢٣): "الإخبار بشكل الطير ولونها، وأن مناقيرها الصفر كانت تختلف عليهم، لا يكون إلا برؤية العين".
قال عبد الرحمن: قد علمت أن رواية سعيد بن جبير ظاهرة في الرمي، وأن الضمير في " تختلف عليهم" إنما هو للطير، لا لمناقيرها. وعلمت أن رواية ابن عباس والجزء الذي أخذه المعلِّم من رواية عكرمة إنما تدل على أن في شكل تلك الطير ما يشبه شكل الجوارح، وأن ذلك [ص ٣٩] لا يقتضي الأكل. ثم علمت أنها جاءت عن ابن عباس رواية مصحَّحة ظاهرة في الرمي، وأخرى محسَّنة صريحة فيه، وأن رواية سعيد بن جبير ظاهرة فيه، وصحت عنه رواية مصرحة به، وأن الجزء الأخير من رواية عكرمة مصرح بالرمي.
وعلى هذا، فلا بد للمعلم من أحد أمرين:
إمّا أن يقول: إن ابن عباس وعكرمة لم يفهما مما ذكروه من وصف الطير ما يقتضي أكلها للجثث.
وإمّا أن يقول: إنهما فهما ذلك، ولكن لم يريا فيه مخالفة لكون الطير رمت بالحجارة.
فإن اختار الأول، قيل له: كفى بذلك ردًّا لما زعمتَه من أن تلك الصفة تُشعر بالأكل.