في معالجتها بكتاب الله وسنة رسوله، ردحا من الدهر بذل فيه جهده وروحه، يتتبع هذه الأدواء ويتقصاها في كل حاضرة وفي كل قرية، في كل سهل وفي كل جبل، يقتل البدعة ويحيى السنة، يطارد الجهل ويحارب الأمية، يميت اليأس من النفوس ويبعث فيها الأمل، يغشى البلدة أو القرية وقلوب أهلها متفرقة وأهواؤها متشاكسة وآراؤها متضاربة فلا يبرحها إلا والقلوب مجتمعة، والأهواء متحدة، والآراء متعاضدة، شعارها الوحيد قوله جل شأنه:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}.
ولعل أبلغ الظواهر دلالة يقظة الأمة وتفشي روح النهوض في أفكار أبنائها وسريان الهداية النبوية فيها. ذلك التطور الفكري الذي نراه يزداد يوما فيوما بالرغم من العراقيل المنصوبة في سبيله والسدود المضروبة لإيقافه. ولكنه تيار إلهي قوي فاض على النفوس لا يمكن إيقافه- إن الله بالغ أمره- ولو كره الكافرون.
فختم كتاب الله وسنة رسول الله في هذه الديار التي حل فيها الطارئ محل الأصلى، والسالب محل الكاسب، والدخيل محل الأصيل، على ضرب من الأسلوب يشرح -بحق- فصول الحياة المعقدة للأمة ويوضح لها مناهج السلوك ويأخذ بيدها في طريق لاحب وصراط سوي. هو ختم مؤذن بختم عصر الجمود والركود وإقبال عصر النهوض والتقدم.
الحديث الشريف هو المصدر الثانى- بعد كتاب الله- للتشريع الإسلامي وهو البيان الشافي والتحليل الفلسفي لكتاب الله، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}
وتبيينه يكون بأقواله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته، فالصد عن الحديث صد عن الذكر الحكيم والانحراف عنه إنحزف عن شرعة القرآن الكريم.