ولقد نال الحديث الشريف من الحيف والإعراض ما نال القرآن العظيم فقد انصرف الناس عنه انصرافهم عن القرآن وضلوا متشبثين بكتب ملئت بالأقوال الجدلية والمماحكاة اللفظية والألغاز التركيبية التي لا تجدي نفعا.
وبعد فإن الموطأ الذي نحن بصدد الحديث عنه هو من أصح كتب الحديث وأعمها نفعا لما اشتملت عليه من صحيح الأخبار وبالغ الآثار. قال الشافعي - رضي الله عنه -: "ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك". وفي لفظ:"ما وضع على الأرض كتاب هو أقرب إلى القرآن من كتاب مالك" - ولاحظ أنها شهادة الشافعي- وقال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي:(الموطأ هو الأصل واللباب، وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي) وقد شمله مالك - رضي الله عنه - بعناية عظيمة واحتفاء كبير فأجال فيه يد التهذيب والتنقيح حتى أخرجه على هذا الأسلوب العجيب والشكل الجميل من حسن الترتيب وسهولة التعبير وإتقان الوضع وإجادة الصنع وصحة الخبر وغزارة الأثر ذكر ابن الهباب أن مالكا رحمه الله روى مائة ألف حديث جمع منها في الموطأ عشرة آلاف ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة ويتخير بالآثار والأخبار حتى رجعت إلى خمسمائة. وقال سليمان بن بلال:"لقد وضع مالك الموطأ وفيه أربعة آلاف حديث أو أكثر ومات وهي ألف حديث ونيف يخلصها عاما فعاما بقدر ما يرى أنه أصلح للمسلمين وأمثل في الدين".
وقال سعدون الورجيني من قصيدة في فضل الموطأ:
فبادر موطأ مالك قبل فوته ... فما بعده - إن نات- للحق مطلب