للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقريب من هذا قول الغزالي: «إنّ من منع العلة التي تعكِّر على الأصل بالتخصيص، منع من حيث إن القياس [التعليل] ليس تفسيرًا للألفاظ، فيجب معرفة الحكم أولا، ثم طلب علته» (١).

وقد كفى إلكيا الهراسي المجيزين لتأثير تعليل النص على دلالته مؤونة الاعتراض على هذا الدليل فأجاب عنه بقوله:

«ويتّجه للمخالف أن يقول: المعنى الذي يُفهم من العموم في النظر الثاني ربما نراه أوفق لموضوع اللفظ ومنهاج الشرع، وذلك تنبيهٌ إمّا بفحوى الخطاب ومخرج الكلام، وإمّا بأمارة أخرى تُفصِّل الكلام، وذلك راجحٌ على ما ظهر من اللفظ، وهذا المعنى لا يُقدَّر مخالفًا للفظ ولكن يُقدّر بيانًا له، فالذي فهمناه أولًا العموم، ثم النظر الثاني يبين أن المراد به الخصوص فغلب معهود الشرع على معنى ظاهر اللفظ» (٢).

الدليل الرابع: وهو ما استشكله الشاطبي على المقدمة العاشرة من الموافقات والتي تنصّ على أنه: «إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعًا ويتأخّر العقل فيكون تابعًا فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدْر ما يُسرّحه النقل» (٣) - من أن بعض الأصوليين قرّر «أنّ المعنى المناسب إذا كان جليًا سابقًا إلى الفهم عند ذكر النص، صحّ تحكيم ذلك المعنى في النص بالتخصيص له والزيادة عليه، ومثلوا ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يقضي القاضي وهو غضبان» (٤) فمنعوا - لأجل معنى التشويش - القضاء مع جميع المشوّشات، وأجازوا مع ما لا يشوش من الغضب


(١) الغزالي، شفاء الغليل، ص ٨٤.
(٢) الزركشي، البحر المحيط، ج ٣، ص ٣٧٨.
(٣) الشاطبي، الموافقات، ج ١، ص ٨٧.
(٤) البخاري، الصحيح، حديث رقم (٧١٥٨) بلفظ قريب.

<<  <   >  >>