للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأنت تراهم تصرفوا بمقتضى العقل في النقل من غير توقُّف» (١). وهذا منافٍ للمقدمة آنفة الذكر.

وقد أجاب الشاطبي عن هذا الإشكال بقوله: «إنّ إلحاق كل مشوّش بالغضب من باب القياس، وإلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به بالقياس سائغ، وإذا نظرنا إلى التخصيص بالغضب اليسير فليس من تحكيم العقل، بل من فهم معنى التشويش ومعلوم أن الغضب اليسير غير مشوّش؛ فجاز القضاء مع وجوده؛ بناء على أنه غير مقصود في الخطاب. هكذا يقول الأصوليون في تقرير هذا المعنى وأنّ مطلق الغضب يتناوله اللفظ لكن خصَّصَه المعنى، والأمر أسهل من غير احتياج إلى تخصيص فإنّ لفظ عضبان وزنه فعلان، وفعلان في أسماء الفاعلين يقتضي الامتلاء ممّا اشتُق منه، فغضبان إنّما يستعمل في الممتلئ غضبًا كريان في الممتلئ ريًا، وعطشان في الممتلئ عطشًا، وأشباه ذلك، لا أنه يُستعمل في مطلق ما اشتُقّ منه، فكأن الشارع إنما نهى عن قضاء الممتلئ غضبًا، حتى كأنه قال: لا يقضي القاضي وهو شديد الغضب أو ممتلئ الغضب، وهذا هو المشوّش، فخرج المعنى عن كونه مخصِّصا، وصار خروج يسير الغضب عن النهي بمقتضى اللفظ لا بحكم المعنى؛ وقِيس على مشوّش الغضب كلُّ مشوش، فلا تجاوز للعقل إذن» (٢).

ولا يخفى ضعف هذا الجواب على ذي نظر، وذلك لأنه - على فرض التسليم به من الناحية اللغوية - إنّما يستقيم في مثال النهي عن القضاء حالة الغضب فحسب، وأمّا في غيره من الأمثلة - وهي بالعشرات - فلا يمكن الإجابة عنها بمثل هذا الجواب فيبقى إشكال تقديم العقل على النقل قائمًا فيها.


(١) الشاطبي، البحر المحيط، ج ١، ص ٨٩.
(٢) الشاطبي، الموافقات، ج ١، ص ٩٠.

<<  <   >  >>