«وسبب اختلافهم [كما يقول ابن رشد] معارضة اللفظ للمعنى فإن اللفظ يقتضي القسمة بين جميعهم، والمعنى يقتضي أن يُؤثِر بها أهل الحاجة إذ كان المقصود به سدّ الخلة، فكان تعديدهم في الآية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس أعني أهل الصدقات لا تشريكهم في الصدقة، فالأول أظهر من جهة اللفظ، وهذا أظهر من جهة المعنى»(١).
ووجه اقتضاء اللفظ لوجوب القسمة على المصارف الثمانية هو أن النص مصرح بإضافة الصدقة للفقراء والمساكين … الخ بلام التمليك مع وجود الواو العاطفة الدالة على الجمع والتشريك، وهذا يدلّ على وجوب اشتراك جميع هذه المصارف في الصدقة لا الاقتصار على بعضها.
ووجه اقتضاء المعنى - أو العلة - لجواز الاقتصار على بعض هذه المصارف هو أن سدّ الحاجة - وهو الغرض من الصدقة - متحقق وحاصل سواء أَدُفعت هذه الصدفة لجميع المصارف أو اقتُصر بها على بعضها.
انتقاد الشافعية لاجتهاد الجمهور في هذه المسألة:
هذا ولم يرتض الإمام الشافعي، رحمه اللَّه، ولا أتباعه من بعده، باجتهاد الحنفية والمالكية في هذه المسألة؛ وذلك لأن هذا الاجتهاد يتضمن تعليلًا للنص عاد عليه بالتعطيل والإبطال، قال الإمام الشافعي، رحمه اللَّه: «أضاف اللَّه تعالى الصدقات بلام الاستحقاق إلى أصناف موصوفين بأوصاف، فرأى بعض الناس جواز الاقتصار على بعضهم ذاهبًا إلى أن المرعيَّ الحاجة، وهذا في التحقيق تأسيس معنىً يعطل تقييدات أمر اللَّه تعالى، فلو كانت الحاجة هي