للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا مع زوج أو محرم» (١). وهذا يدل على أنهم نظروا إلى عموم الآية الموجبة للحج لا إلى العلة المتمثلة في حصول الأمن، وذلك لأن نظرهم لو كان إلى العلة لأجازوا للمرأة الخروج في كل سفر تتحقق فيه هذه العلة ولم يكن الجواز مقتصرًا على سفر الحج فقط.

ومع وجاهة هذا التخريج إلا أنه يمكن اعتراضه من وجهين:

الأول: هو أنه قد وردت نصوص خاصّة في عدم إباحة حج المرأة من غير محرم كالذي يرويه ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول اللَّه إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج فقال: اخرج معها" (٢).

وأَخصُّ من هذا الحديث دلالة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحجنّ امرأة إلا ومعها ذو محرم" (٣).

وبهذه النصوص الخاصة المانعة من حجّ المرأة بغير محرم ينتفي القول بأن الخلاف في هذه المسألة ناشئ عن تعارض العمومين، وذلك لأنه لا يوجد إلا عموم واحد يأمر بحج المكلفين جميعًا رجالًا ونساءً، وأما حج النساء من غير محرم فقد جاء النهي عنه بنصوصٍ خاصّة، والخاص يقدم على العام باتفاق كما هو معروف.

والوجه الثاني: هو أنه وإن صحّ التفات الجمهور في قولهم بجواز حج المرأة من غير محرم إلى عموم الآية {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، فإن هذا لا ينفي أنهم نظروا إلى علة الحديث الناهي عن سفر المرأة إلا باصطحاب المحرم، كدليل على ترجيح عموم الآية على عموم الحديث،


(١) نقله عنه ابن حجر، فتح الباري، ج ٤، ص ٩٠.
(٢) البخاري، الصحيح، حديث رقم (١٨٦٢).
(٣) الدارقطني، السنن، ج ٢، ص ٢٢٣، وصحّحه أبو عوانة كما قال الحافظ ابن حجر، فتح الباري، ج ٤، ص ٩٠.

<<  <   >  >>