للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي قاله المالكي تخصيص العموم بالنظر إلى المعنى، وقد اختار هذا الشافعي أن المرأة تسافر في الأمن ولا تحتاج إلى أحد بل تسير وحدها في جملة القافلة فتكون آمنة. وهذا مخالف لظاهر الحديث» (١).

التخريج الأصولي للخلاف في هذه المسألة كما يراه ابن حزم:

هذا ويرى ابن حزم، رحمه اللَّه، أن سبب الخلاف بين العلماء في جواز حج المرأة من غير محرم ليس هو ما ذُكر من النظر إلى العلة، وإنما هو نتيجة لتعارض عمومين (٢).

العموم الأول: هو المستفاد من قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧].

والعموم الثاني: هو المستفاد من الحديث "لا تسافر المرأة … ".

وبيان ذلك أن الآية عامّة في إيجاب الحج على المكلفين جميعًا رجالًا ونساء لمن استطاع إلى البيت سبيلًا، والحديث عام في نهي النّساء عن جميع الأسفار، فرأى بعض العلماء أن عموم الآية يخص عموم الحديث، فأوجب على المرأة أن تحج من غير محرم إذا استطاعت إلى البيت سبيلًا، ورأى البعض الآخر من العلماء أن عموم الحديث يخص عموم الآية فلم يوجبوا الحج على المرأة إذا لم تجد محرمًا، بل لم يجيزوا لها السفر إلى الحج من غير محرم.

وهذا التخريج من ابن حزم، رحمه اللَّه، له وجهٌ، ويؤيِّده أن الأكثرين ممن أجازوا حج المرأة من غير محرم خصوا الجواز بسفر الحج فقط ولم يعدُّوه إلى بقية الأسفار، قال البغوي: «لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض


(١) ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام، ج ٣، ص ١٩.
(٢) انظر: ابن حزم، الإحكام، ج ٢، ص ٢٦، ٢٧.

<<  <   >  >>