للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ساقها وطرف معصمها لا يتحقق إلا بالمحرم ليباشرها في هذه الحالة ويسترها» (١).

ومما يدل على التفات أبي حنيفة، رحمه اللَّه، إلى هذا المعنى أن الحنفية قد أجازوا - استثناءً من عموم الحديث - للأمة وأم الولد أن تسافر إحداهما من غير محرم قال في البداية وشرحها: «ولا بأس بأن تسافر الأمة وأم الولد بغير محرم لأن الأجانب في حق الإماء فيما يرجع إلى النظر والمس بمنزلة المحارم» (٢).

وهذا الاجتهاد بإخراج الأمة عن عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسافر المرأة … " ما هو إلا تخصيص لعموم النص بالتعليل، وذلك لأن الأمة - عند الحنفية - لا يحرم مسّها أو النظر إليها كونها مبتذلة في الخدمة بخلاف الحرة، وما دام ذلك كذلك فالعلة من نهي المرأة عن السفر من غير محرم - كما سبق تقريرها من وجهة نظر أبي حنيفة - غير متحققة فيها فتخرج عن عموم النص.

فإذا تقرر ما سبق ظهر أن انتقاد بعض أصوليي الحنفية اجتهاد الجمهور بأنه من قبيل تأثر النص بعلّته ليس في محلّه وذلك لأن الحنفية أنفسهم قد اجتهدوا في مورد الحديث بالتعليل بحيث أثروا بذلك على عموم النص، مما يدلّ على أن قولهم بعدم جواز عود العلّة على النصّ بالتأثير قول مرجوح مخالف لما عليه أبو حنيفة نفسه.

هذا ولبعض المالكية اجتهاد آخر في نص هذا الحديث "لا تسافر المرأة … " بالتعليل يتضمن عود العلّة عليه بالتخصيص؛ قال ابن دقيق العيد، رحمه اللَّه: «لفظ المرأة عام بالنسبة إلى سائر النساء، وقال بعض المالكية: هذا عندي في الشابّة، وأما الكبيرة غير المشتهاة فتسافر حيث شاءت في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم،


(١) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج ٢، ص ٤٢١ بحذف يسير.
(٢) المرغيناني، الهداية، ج ١٠، ص ٦٨.

<<  <   >  >>