للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القطعية والظنية في مقتضى النص:

والنص إما أن يدل على الحكم قطعًا كما هو في قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤]، وإما أن يدل عليه ظنًا كما هو في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢].

فقد قال قوم بوجوب كتابة الدين كما هو ظاهر النص، وقال قوم بندبها لأدلة قرروها (١).

وإفادة القطع بمجرد النصوص وحدها قليل، وبعضهم نفاه، وذلك لكثرة الاحتمالات التي ترد على الألفاظ إلا أن القطع يكثر في النصوص إذا نظرنا إليها مع ما يحتف بها من القرائن المؤكِّدة لظواهرها (٢).

فمثلًا ما سبق إيراده آنفًا وهو قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] وإن كان قطعيًا في تحديد عدد الجلدات فإنه مظنون في إفادة وجوب الجلد، وذلك لأن صيغة الأمر وهي هاهنا «فاجلدوهم» تتردد - بحسب ما تقضي به اللغة - بين الطلب الجازم وبين الطلب غير الجازم، وسواء أقيل بأنها ظاهرة في الوجوب مؤولة في الندب، أم قيل بأنها مشتركة بن المعنيين، فإنها على كل تقدير تظل ظنية الدلالة.

هذا إذا كان النظر منصبًّا على مجرد النص، وأما إذا نظرنا إلى النص مع ما احتف به من قرائن، وأهمها تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- معه، وكيف أنه كان لا يتساهل


(١) انظر: أبو بكر أحمد بن علي الجصاص، أحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤٠٥ هـ، ج ٢، ص ٢٠٥، وسيشار له: الجصاص، أحكام القرآن.
(٢) انظر: فخر الدين الرازي، المحصول، ج ١، ص ١٧٢ - ١٧٨.

<<  <   >  >>