للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في شأن الحدود ولا يتوانى في تطبيقها ولا يقبل الشفاعة فيها وغير ذلك - لم نرتَبْ في القول بأن النص هاهنا يدل على وجوب الجلد ثمانين قطعًا.

ومما ينبغي تقريره هاهنا هو أن الكثرة الكاثرة من النصوص التي تدل على أحكامها قطعًا لا تخلو - على الرغم من قطعيتها - من «دلالات ظنية» على جوانب ومتعلَّقات الحكم المقطوع.

فقوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] وإن كان - مع ما احتفّ به من قرائن - قاطعًا في وجوب الجلد ثمانين فإنَّه - مع ذلك - ظنيٌّ في كثير من جوانب هذا الحكم ومتعلقاته:

فمثلًا: النص مطلق في طلب الجلد بغضّ النظر عن محلّ الجلد أهو الظهر أو البطن أو الأطراف، وبغض النظر عن الشيء الذي يتم به الجلد، وبغض النظر عن شدة الجلد ودرجة قوته.

ثم إن النص عام في المجلودين، لذا فهو يقبل التخصيص بدليل كما هو الشأن في العبد إذ قد جلده الخلفاء الراشدون أربعين على النصف من حدِّ الحُر (١).

وكذا هو عام في مكان الجلد حيث منع العلماء من إقامة الحد في المسجد (٢)، وكذا حصل خلاف في إقامة الحد في الغزو وفي دار الحرب (٣).


(١) مالك، الموطأ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤٠٦ هـ، ج ٢، ص ٨٣٨، وإسناده على شرط البخاري.
(٢) انظر: ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ط ١، دار الريان للتراث، القاهرة، ١٤٠٧ هـ، ج ١٢، ص ١٣٢، وسيشار له: ابن حجر، فتح الباري.
(٣) انظر: محمد بن علي الشوكاني، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، دار الفكر، بيروت، ١٤١٤ هـ، ج ٧، ص ٢٨٦، وسيشار له: الشوكاني، نيل الأوطار.

<<  <   >  >>