للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من رابه شيءٌ في صلاته فليسبِّح، فإنه إذا سَبَّح التُفت إليه، وإنما التصفيق للنساء" (١).

وجه «تأثير تعليل النص على دلالته» في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا بكر بالثبوت في مكانه، فكان مقتضى ظاهر الأمر أن يبقى أبو بكر في مكانه من غير استئخار، لكن هذا ما لم يكن، وذلك أن أبا بكر -رضي الله عنه- نظر إلى علة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالثبوت فوجد أن الأمر لم يخرج مخرج الإلزام كما هو الظاهر من الأمر في المعتاد، وإنما خرج مخرج الإكرام فلما كان كذلك رأى -رضي الله عنه- أن سلوك الأدب في مثل هذه الحال أولى من امتثال الأمر فاستأخر مع أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالثبوت.

والتكييف الأصولي لاجتهاد أبي بكر -رضي الله عنه- في هذه الواقعة يشتمل على نظرين ترتب أحدهما على الآخر:

الأول: النظر في علة الأمر، وهذا أدى بأبي بكر -رضي الله عنه- إلى صرفه من الوجوب أو الندب إلى الإباحة.

والثاني: النظر في هذا المباح هل هناك ما هو أولى منه؟ فكم من مباح لا يفعله المرء لانشغاله بما هو أولى منه، وهاهنا كان سلوك الأدب بالاستئخار أولى من فعل المباح الذي هو الثبوت في المكان، وعلى أية حال، فإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر على هذا الاجتهاد دليل على صحة تأثير تعليل النص على دلالته وجواز ذلك.

[المثال السادس: حديث علي في رفضه محو الصحيفة]

عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "لما صالح رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أهل الحديبية كتب علي بن أبي طالب رضوان اللَّه عليه بينهم كتابًا، فكتب: «محمد رسول


(١) البخاري، الصحيح، حديث رقم (٦٨٤).

<<  <   >  >>