للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحماة أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال: "بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب" (١). فبهذا تبين أنه عرف بأن ذلك الأمر منه لم يكن إلزامًا ورأى إظهار الصلابة في الدين بمحضر من المشركين عزيمةً فتمسك به، ثم الرغبة في ا لصلح مندوبٌ إليه الإمام بشرط أن يكون فيه منفعة للمسلمين، وتمام هذه المنفعة في أن يُظهر المسلمون القوة والشدة في ذلك ليعلم العدو أنهم لا يرغبون في الصلح لضعفهم فلأجل هذا فعل علي -رضي الله عنه- عنه ما فعله» (٢).

والتكييف الدقيق لاجتهاد علي -رضي الله عنه- في هذه الواقعة يشتمل على نظرين، ترتب أحدهما على الآخر، كما هي الحال في اجتهاد أبي بكر -رضي الله عنه- في الحديث السابق وهما:

الأول: النظر إلى علة الأمر، وبهذا النظر تبين لعليّ -رضي الله عنه- أن الأمر لم يُرد به ظاهره من الإلزام.

الثاني: النظر فيما هو الأولى، هل هو الإتيان بمقتضى الأمر مع عدم لزومه أم شيء آخر؟

وهاهنا رأى -رضي الله عنه- أن الأفضل هو عدم التزام الأمر لوجهين:

أحدهما: لما في ذلك من سلوك الأدب مع رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه.


(١) رواه أحمد في المسند من حديث علي -رضي الله عنه-، والقضاعي في مسند الشهاب عن أنس -رضي الله عنه- وقال العامريُّ في شرح الشهاب: صحيح، ولذا رمز السيوطي لصحته. ومعناه: أألتزم أمرك بأحرفه لا أحيد عنه أم أجتهد فيه لأنه عند التنفيذ يظهر لي ما لا يظهر لك لحضوري وغيبتك؟
انظر: محمد عبدالرؤوف المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير، دار الفكر، بيروت، ج ٤، ص ١٧١. وأحمد بن حنبل، المسند، ج ١، ص ٨٣، ومحمد بن سلامة القضاعي، مسند الشهاب، ط ١، مؤسسة الرسالة، ١٤٠٥ هـ، ج ١، ص ٨٥.
(٢) السرخسي أصول السرخسي، ج ٢، ص ١٣٧.

<<  <   >  >>