للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الأصوليون فإنهم إنما بنوا غالب أبحاثهم الأصولية بالاستناد إلى طرائق الصحابة في الاجتهاد والإفتاء حتى قال ابن رشد (١) رحمه اللَّه: «كثير من المعاني الكلية الموضوعة في هذه الصناعة [يعني أصول الفقه] إنما صُحّحت بالاستقراء من فتاواهم مسألة مسألة» (٢) يعني الصحابة رضوان اللَّه عليهم.

وقال ابن خلدون «اعلم أن هذا الفن [يعني أصول الفقه] من الفنون المستحدثة في الملة وكان السلف في غُنية عنه بما أن استفادة المعاني من الألفاظ لا يُحتاج فيها إلى أزيد مما عندهم من الملكة اللسانية، وأما القوانين التي يُحتاج إليها في استفادة الأحكام فمنهم [أي السلف وعلى رأسهم الصحابة] أُخذ معظمها» (٣).

وتصديقًا لما قاله ابن خلدون ومن قبله ابن رشد أورد نقولًا عن بعض الأصوليين تبين اعتمادهم على اجتهادات الصحابة في تثبيت قواعدهم الأصولية.

قال الإمام الشافعي، رحمه اللَّه، وهو بصدد إثبات المصالح المرسلة «من سبر أحوال الصحابة، رضي اللَّه عنهم، وهم القدوة والأسوة في النظر لم يرَ لواحد منهم في مجالس الاستشوار تمهيد أصل واستثارة معنى ثم بناء الواقعة عليه ولكنهم يخوضون في وجوه الرأي من غير التفات إلى الأصول كانت أو لم تكن» (٤).


(١) وهو محمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد، الفيلسوف المعروف، من أهل قرطبة، يلقب بابن رشد الحفيد تمييزًا له عن جدّه، له كتب كثيرة في الفلسفة ومن كتبه في الفقه «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» وفي الأصول «الضروري» و «مناهج الأدلة» توفي سنة ٥٩٥ هـ‍. انظر: الزركلي، الأعلام، ج ٥، ص ٣١٨.
(٢) أبو الوليد بن رشد، الضروري في أصول الفقه، ط ١، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ١٩٩٤ م، ص ٣٦، وسيشار له: ابن رشد الضروري.
(٣) ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، ط ١، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ١٤١٤ هـ، ج ٢، ص ١٣٨.
(٤) نقله عنه إمام الحرمين، البرهان، ج ٢، ص ٧٢٣.

<<  <   >  >>