للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (١)، فَأَمَرَ الْمُتَنَازِعِينَ بِالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ دُونَ حديث النفوس وفُتيا القلوب.

والثالث: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (٢)، فَأَمَرَهُمْ بِمَسْأَلَةِ أَهْلِ الذِّكْرِ لِيُخْبِرُوهُمْ بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَسْتَفْتُوا فِي ذلك أنفسهم.

والرابع: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ/ لِنَبِيِّهِ احْتِجَاجًا عَلَى من أنكر وحدانيته: {ت ث ج ح خ د} (٣) إِلَى آخِرِهَا، فَأَمَرَهُمْ بِالِاعْتِبَارِ (بِعِبْرَتِهِ) (٤) / وَالِاسْتِدْلَالِ بِأَدِلَّتِهِ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أن يستفتوا فيه نفوسهم ويصدروا عَمَّا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ قُلُوبُهُمْ، وَقَدْ وَضَعَ الْأَعْلَامَ وَالْأَدِلَّةَ، فَالْوَاجِبُ/ فِي كُلِّ مَا وَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ الدَّلَالَةَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِأَدِلَّتِهِ عَلَى مَا دلت (عليه) (٥) دُونَ فَتْوَى النُّفُوسِ، وَسُكُونِ الْقُلُوبِ/ مِنْ أَهْلِ الجهل بأحكام الله.

هذا مَا حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَمَّنْ تَقَدَّمَ، ثُمَّ (اخْتَارَ) (٦) إِعْمَالَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ، إِمَّا لِأَنَّهَا صَحَّتْ عِنْدَهُ (أَوْ صَحَّ) (٧) مِنْهَا عِنْدَهُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ معانيها؛ كحديث: "الْحَلَالُ بيِّن وَالْحَرَامُ بيِّن وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ" (٨) إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ خرَّجه الْإِمَامَانِ، ولكنه لم يُعملها في كل (شيء) (٩) مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي تَشْرِيعِ الْأَعْمَالِ وَإِحْدَاثِ التَّعَبُّدَاتِ، فَلَا يُقَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِحْدَاثِ الْأَعْمَالِ: إِذَا اطْمَأَنَّتْ نَفْسُكَ إِلَى هَذَا الْعَمَلِ فَهُوَ بِرٌّ، أَوِ اسْتَفْتِ قَلْبِكَ فِي إِحْدَاثِ هَذَا الْعَمَلِ، فَإِنِ اطْمَأَنَّتْ إليه نفسك فاعمل به وإلا فلا.


(١) سورة النساء: الآية (٥٩).
(٢) سورة النحل: الآية (٤٣).
(٣) سورة الغاشية: الآية (١٧).
(٤) في (م) و (غ) و (ر): "بعبرة".
(٥) زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(٦) في (م): "اخبار".
(٧) في (ر): "وأصح".
(٨) تقدم تخريجه (١/ ١٨٣).
(٩) زيادة من (غ) و (ر).