للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك (بالنسبة) (١) إِلَى التَّشْرِيعِ التُّرْكِيِّ، لَا يَتَأَتَّى تَنْزِيلُ مَعَانِي الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ: إِنِ اطْمَأَنَّتْ نَفْسُكَ إِلَى تَرْكِ الْعَمَلِ الْفُلَانِيِّ فَاتْرُكْهُ، وَإِلَّا فَدَعْهُ، أَيْ فَدَعِ التَّرْكَ وَاعْمَلْ بِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِعْمَالُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا أَعْمَلَ فِيهِ قَوْلَهَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "الْحَلَالُ بيِّن وَالْحَرَامُ بيِّن" الْحَدِيثَ.

وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّكَاحِ وَاللِّبَاسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَمِنْهُ مَا هُوَ بَيِّنُ الْحِلِّيَّةِ وَمَا هُوَ بَيِّنُ التَّحْرِيمِ/ وَمَا فِيهِ إِشْكَالٌ، وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُشْتَبَهُ الَّذِي لَا يُدْرَى أَحَلَالٌ/ هُوَ أَمْ حَرَامٌ؟ (فَإِنَّ تَرْكَ الْإِقْدَامِ أَوْلَى مِنَ الْإِقْدَامِ مَعَ جَهَلَةٍ بِحَالِهِ، نَظِيرَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إِنِّي لِأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي، (فَلَوْلَا) (٢) أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا" (٣).

فَهَذِهِ التَّمْرَةُ لَا شَكَّ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ إِحْدَى (الحالتين) (٤): إِمَّا مِنَ الصَّدَقَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ/ وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ، فَتَرَكَ أَكْلَهَا حَذَرًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ: فَكَذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تعالى عَلَى الْعَبْدِ ـ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ فِي سَعَةٌ مِنْ تَرْكِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، أَوْ مما هو غير واجب (عليه) (٥) أن يدع ما يريبه فيه إِلَى مَا لَا يُرِيبُهُ، إِذْ يَزُولُ بِذَلِكَ عن نفسه الشك، كمن يريد


(١) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "في النسبة".
(٢) في (خ): "فلو".
(٣) أخرجه البخاري برقم (٢٠٥٥ و٢٤٣١)، ومسلم (١٠٧٠ و١٠٧١)، وبنحوه في صحيفة همام بن منبه (٩٤)، وإسحاق بن راهويه في المسند (٤٨٣)، وأحمد في المسند (٢ ١٨٠ و١٩٣ و٣١٧) و (٣ ١١٩ و١٣٢ و١٨٤ و٢٥٨ و٢٩١)، وأبو داود (١٦٥١ و١٦٥٢)، وأبو يعلى في مسنده (٢٨٦٢ و٢٩٧٥ و٣٠١١ و٣٠٩٤)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٢ ٩ و١٠)، وابن حبان في صحيحه (٣٢٩٢ و٣٢٩٦)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠٦٠٠ و١١٨٧٦ و١١٨٧٧ و١٣٠١٢ ـ ١٣٠١٤).
(٤) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الحالين".
(٥) زيادة من (غ) و (ر).