للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَوْ كَانَ الْمُخَالِفُ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مَعْدُودًا مَنْ أَهْلِ الِاخْتِلَافِ ـ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا ـ لَمْ يَصِحَّ إِطْلَاقُ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الرَّحْمَةِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ جَعَلُوا اخْتِلَافَ الْأُمَّةِ فِي الْفُرُوعِ ضَرْبًا مِنْ ضُرُوبِ الرَّحْمَةِ (١)، وَإِذَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الرَّحْمَةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ خَارِجًا مَنْ قِسْمِ أَهْلِ الرَّحْمَةِ.

وَبَيَانُ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ رَحْمَةً مَا رُوِيَ/ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ (٢) قَالَ: لَقَدْ نَفَعَ اللَّهُ بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي (الْعَمَلِ) (٣)، لا يعمل العامل بعلم رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَّا رَأَى أَنَّهُ فِي سَعَةٍ (٤).

وعن (ضمرة عن رجاء بن جميل) (٥) قَالَ: اجْتَمَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَجَعَلَا يَتَذَاكَرَانِ الْحَدِيثَ ـ قَالَ ـ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَجِيءُ بِالشَّيْءِ يُخَالِفُ فِيهِ الْقَاسِمَ ـ قَالَ ـ: (وجعل ذلك يشق على القاسم) (٦) حتى


(١) سيذكر الشاطبي بعد قليل عدداً ممن جعل الاختلاف في الفروع ضرباً من ضروب الرحمة، وانظر كذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (٣٠ ٧٩ ـ ٨١)، (٣٧ ٢٤ ـ ٢٥)، وانظر ما ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم (٢ ٩٦ وما بعدها).
(٢) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولد في خلافة علي رضي الله عنه، وتوفي سنة ١٠٥ وقيل ١٠٦هـ. انظر: طبقات ابن سعد (٥ ١٨٧)، وحلية الأولياء (٢ ١٨٣)، والسير (٥ ٥٣).
(٣) في جامع بيان العلم: (أعمالهم).
(٤) خرَّجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (٢ ٩٠٠) برقم (١٦٨٦).
(٥) في سائر النسخ: "وعن ضمرة بن رجاء قال"، والتصحيح من جامع بيان العلم (٢ ٩٠١). وضمرة هو: ضمرة بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله الرملي، وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد، توفي سنة ٢٠٢هـ. انظر: طبقات ابن سعد (٧ ٤٧١)، والتاريخ الكبير (٤ ٣٣٧)، وتهذيب الكمال (١٣ ٣١٦) ورجاء بن جميل هو الأيلي، روى عن القاسم بن محمد والزهري وربيعة، قال عنه أبو حاتم: "شيخ". انظر: التاريخ الكبير (٣ ٣١٣)، والجرح والتعديل (٣ ٥٠٢)، والثقات لابن حبان (٦ ٣٠٦).
(٦) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وجعل القاسم يشق ذلك عليه". والتصحيح من (غ) و (ر)، وهو موافق لرواية ابن عبد البر في جامع بيان العلم.