للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَجِئْتُ مِنْ عِنْدِ قَتَادَةَ وَأَنَا مُغْتَمٌّ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ قَتَادَةَ فِي عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ نَسُكِهِ وَهَدْيِهِ،/ فَوَضَعْتُ رَأْسِي نِصْفَ النَّهَارِ وَإِذَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَالْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ وَهُوَ يَحُكُّ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، (فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، تَحُكُّ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟) (١)، قَالَ: إِنِّي سَأُعِيدُهَا. قَالَ: فَتَرَكْتُهُ حَتَّى حَكَّهَا، فَقُلْتُ لَهُ: أَعِدْهَا، فَقَالَ: لَا أستطيع (٢).

فمثل هؤلاء لا بد مِنْ ذِكْرِهِمْ وَالتَّشْرِيدِ بِهِمْ، لِأَنَّ مَا يَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ ضَرَرِهِمْ إِذَا (تُرِكُوا) (٣) أَعْظَمُ مِنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِذِكْرِهِمْ وَالتَّنْفِيرِ عَنْهُمْ إِذَا كَانَ/ سَبَبُ تَرْكِ (التَّعْيِينِ) (٤) الْخَوْفُ مِنَ التَّفَرُّقِ والعداوة، ولا شك أن التفرق بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الدَّاعِينَ لِلْبِدْعَةِ وَحْدَهُمْ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِمْ أَسْهَلُ مِنَ التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الدَّاعِينَ وَمَنْ شَايَعَهُمْ وَاتَّبَعَهُمْ، وَإِذَا تَعَارَضَ الضرران فالمرتكب أَخَفُّهُمَا وَأَسْهَلُهُمَا، وَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ جَمِيعِهِ، كَقَطْعِ الْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ، إِتْلَافُهَا/ أَسْهَلُ مِنْ إِتْلَافِ النفس. وهذا شأن الشرع أبداً: (أن يَطْرَحُ) (٥) حُكْمَ الْأَخَفِّ وِقَايَةً مِنَ الْأَثْقَلِ.

/فَإِذَا فُقِدَ الْأَمْرَانِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرُوا (وَلَا أن) (٦) يعيَّنوا وإن وُجِدُوا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ مُثِيرٍ (لِلشَّرِّ) (٧) وَإِلْقَاءِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، (وَمَتَى) (٨) حَصَلَ بِالْيَدِ مِنْهُمْ أَحَدٌ ذَاكَرَهُ بِرِفْقٍ، وَلَمْ (يُرِهِ) (٩) أَنَّهُ خَارِجٌ (مِنَ) (١٠) السُّنَّةِ، بَلْ يُرِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَأَنَّ الصَّوَابَ الْمُوَافِقَ لِلسُّنَّةِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَصُّبٍ وَلَا إِظْهَارِ غلبه فهو (أنجح وأنفع) (١١)، وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ دُعي الْخَلْقُ أَوَّلًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى (إِذَا) (١٢) عَانَدُوا وَأَشَاعُوا الْخِلَافَ وَأَظْهَرُوا الفرقة قوبلوا بحسب ذلك.


(١) ساقط من (غ) و (ر).
(٢) انظر: تاريخ بغداد (١٢ ١٧٩).
(٣) ساقط من (غ) و (ر).
(٤) في (غ) و (ر): "التغيير".
(٥) في (م) و (خ) و (ت): "ويطرح"، وفي (ط): "يطرع".
(٦) في (ط): "لأن".
(٧) في (غ) و (ر): "للشحناء".
(٨) في (ط) و (خ) و (ت): "ومن".
(٩) في (م) و (غ) و (ر): "ير".
(١٠) في (ط): "الحج"، وفي (خ): "أنجح".
(١١) في (غ) و (ر): "عن".
(١٢) زيادة من (غ) و (ر).