للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَسْتَقْبِحُ مَا لَا يُسْتَقْبَحُ شَرْعًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ أَصْلِ فِتْنَةً عَلَى النَّاسِ.

ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ (المُعْمِلين) (١) لِهَذَا الْقِيَاسِ أَضَرُّ عَلَى النَّاسِ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْفِرَقِ، وَأَشَدُّ فِتْنَةً، وَبَيَانُهُ: ((٢) أَنَّ مَذَاهِبَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَدِ اشْتَهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَرُدُّهَا وَاسْتَفَاضَتْ، وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ مَقْمُوعُونَ فِي الْأَمْرِ الْغَالِبِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، بِخِلَافِ/ الْفُتْيَا، فَإِنَّ أَدِلَّتَهَا من الكتاب والسنة (قد) (٣) لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْأَفْرَادُ، وَلَا يُمَيِّزُ (ضَعِيفَهَا مِنْ قَوِيِّهَا) (٤) إِلَّا الْخَاصَّةُ، وَقَدْ يَنْتَصِبُ لَلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ (مِمَّنْ) (٥) يُخَالِفُهَا كَثِيرٌ.

وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ مَعْنَاهُ مَحْفُوظًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَامٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، لَا أَقُولُ: عَامٌ أَمْطَرُ مِنْ عَامٍ، وَلَا عَامٌ/ أَخْصَبُ مِنْ عَامٍ، وَلَا أَمِيرٌ/ خير من أمير، ولكن: ذهاب خياركم وعلماؤكم، ثُمَّ يُحْدِثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُهْدَمُ الْإِسْلَامُ وَيُثْلَمُ (٦).

وَهَذَا الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْجُودٌ فِي (الْحَدِيثِ) (٧) الصَّحِيحِ، حَيْثُ قَالَ عليه الصلاة والسلام: "وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُستفتون (فَيُفْتُونَ) (٨) بِرَأْيِهِمْ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ" (٩).

/وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ آثَارٌ مَشْهُورَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ تَبَيَّنَ فِيهَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالرَّأْيِ يُحِلُّ الْحَرَامَ ويحرم الحلال.


(١) في (غ) و (ر): "المعلمين".
(٢) من بداية هذا القوس إلى قوله: ( .. بنوع تأويل وهذا بينٌ) من (٣/ ٢٣٤)، نقله الشاطبي من شيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل (ص٢٩٦ ـ ٢٩٩) بنصه، إلا أنه تصرّف في بعض المواطن ببعض الاختصار، وهناك اختلاف يسير في بعض الألفاظ، يظهر أنه ناشئ من اختلاف النسخة التي نقل منها الشاطبي.
(٣) زيادة من (غ) و (ر).
(٤) في (ت): "قويها من ضعيفها".
(٥) في (ت): "من".
(٦) تقدم تخريجه (١ ١٣٠).
(٧) ساقط من (غ) و (ر).
(٨) زيادة من (غ) و (ر).
(٩) تقدم تخريجه (٣/ ٩٩).