للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْلُومٌ/ أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ الذامَّة لِلرَّأْيِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهَا ذَمَّ الِاجْتِهَادِ عَلَى الْأُصُولِ فِي نَازِلَةٍ لَمْ تُوجَدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ، مِمَّنْ يَعْرِفُ الْأَشْبَاهَ وَالنَّظَائِرَ، وَيَفْهَمُ مَعَانِيَ/ الْأَحْكَامِ فَيَقِيسُ قِيَاسَ تشبيه أو تعليل (١)، قَيِاسًا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، فإن هذا ليس فيه تحليل (الحرام) (٢) (ولا العكس) (٣)، وإنما القياس الهادم للإسلام ما عارض الكتاب والسنة، أو ما كان عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، أَوْ مَعَانِيهَا الْمُعْتَبَرَةَ.

ثُمَّ إِنَّ مُخَالَفَةَ هَذِهِ الْأُصُولِ عَلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَالِفَ أَصْلًا مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِمْسَاكٍ بِأَصْلٍ آخَرَ، فَهَذَا لَا يَقَعُ مِنْ مُفْتٍ مَشْهُورٍ إِلَّا إِذَا كَانَ الْأَصْلُ لَمْ يَبْلُغْهُ، كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ لم (تبلغهم) (٤) بَعْضُ السُّنَنِ فَخَالَفُوهَا خَطَأً، وَأَمَّا الْأُصُولُ الْمَشْهُورَةُ فَلَا يُخَالِفُهَا مُسْلِمٌ خِلَافًا ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ بِأَصْلٍ آخَرَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخَالِفَهَا بعض المشهورين بالفتيا.

/وَالثَّانِي: أَنْ يُخَالِفَ الْأَصْلَ بِنَوْعٍ مِنَ التَّأْوِيلِ هو فيه مخطئ، بأن


(١) القياس ينقسم عند الأصوليين إلى ثلاثة أقسام:
أـ قياس العلة: وهو ما كان الجمع فيه بين الأصل والفرع بنفس العلة كالإسكار.
ب ـ قياس الشبه ـ ويسمى قياس الدلالة ـ: وهو ما كان الجمع فيه بين الأصل والفرع بدليل العلة، كملزومها أو حكمها أو أثرها، ومثال ملزوم العلة: إلحاق النبيذ بالخمر في المنع بجامع الشدة المطربة؛ لأنها ملزومة الإسكار الذي هو العلة. ومثال أثر العلة: إلحاق القتل بالمثقل بالقتل بمحدد في القصاص بجامع الإثم، لأن الإثم أثر العلة التي هي القتل والعمد والعدوان، والمثال بحكم العلة: جواز رهن المشاع قياساً على جواز بيعه بجامع جواز البيع.
ج ـ وهو ما جمع فيه بنفي الفارق، وهو القياس في معنى الأصل، وهو مفهوم الموافقة، وتنقيح المناط، والأكثر على أنه ليس من القياس. انظر: مذكرة أصول الفقه للشنقيطي (ص٢٧٠، ٢٧١)، ونزهة الخاطر العاطر (٢ ٣٠١، ٣٠٢)،
(٢) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وتحريم".
(٣) ما بين القوسين ساقط من ت.
(٤) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "يبلغهم".