للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَائِدَةُ بَعْثِ الرُّسُلِ، فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ حُسْنَ الصدق النافع والإيمان، وقبح الكذب (الضار) (١) وَالْكُفْرَانِ، مَعْلُومٌ ضَرُورَةً، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِمَدْحِ هَذَا وَذَمِّ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِهَذَا وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ.

/فَلَوْ كَانَ الْعَقْلُ غَيْرَ مُفْتَقِرٍ إِلَى التنبيه لزم منه الْمُحَالُ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، لَكِنَّهُ أَتَى بِذَلِكَ فَدَلَّنَا عَلَى أَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى أَمْرٍ يَفْتَقِرُ الْعَقْلُ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ. هَذَا وَجْهٌ.

وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الْعَقْلَ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ قَاصِرُ الْإِدْرَاكِ فِي عِلْمِهِ، (فَمَا) (٢) ادَّعَى عِلْمَهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ (تِلْكَ) (٣) الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي زَعَمَ أَنَّهُ أَدْرَكَهَا، لِإِمْكَانِ أَنْ يُدْرِكَهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَعَلَى حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَالْبُرْهَانُ عَلَى ذَلِكَ أَحْوَالُ أَهْلِ الْفَتَرَاتِ، فَإِنَّهُمْ وَضَعُوا أَحْكَامًا عَلَى الْعِبَادِ بِمُقْتَضَى السِّيَاسَاتِ لَا تَجِدُ فِيهَا أَصْلًا مُنْتَظِمًا (ولا) (٤) قاعدة مطردة (مع) (٥) الشَّرْعِ بَعْدَ مَا جَاءَ، بَلِ اسْتَحْسَنُوا أُمُورًا تَجِدُ الْعُقُولَ بَعْدَ/ تَنْوِيرِهَا بِالشَّرْعِ تُنْكِرُهَا، وَتَرْمِيهَا بِالْجَهْلِ وَالضَّلَالِ (وَالْبُهْتَانِ) (٦) وَالْحُمْقِ، مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا بِعُقُولِهِمْ أَشْيَاءَ قَدْ وَافَقَتْ وَجَاءَ الشَّرْعُ بِإِقْرَارِهَا وَتَصْحِيحِهَا، وَمَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ عُقُولٍ (وافرة) (٧)، وأنظار (صائبة) (٨)، وَتَدْبِيرَاتٍ لِدُنْيَاهُمْ غَامِضَةٍ، لَكِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا لم يُصِيبُوا فِيهِ قَلِيلَةٌ، فَلِأَجْلِ هَذَا كُلِّهِ وَقَعَ الْإِعْذَارُ وَالْإِنْذَارُ، وَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ/ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَالنِّعْمَةُ السَّابِغَةُ.

/فَالْإِنْسَانُ ـ وَإِنْ زَعَمَ فِي الْأَمْرِ أَنَّهُ أَدْرَكَهُ وَقَتَلَهُ عِلْمًا ـ لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ إِلَّا وَقَدْ عَقَلَ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَقَلَ، وَأَدْرَكَ من علمه ما لم (يكن


(١) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "أيضاً".
(٢) في (غ) و (ر): "بما".
(٣) في (م) و (غ) و (ر): "ذلك".
(٤) زيادة من (غ) و (ر).
(٥) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "على".
(٦) في (غ) و (ر): "وبالبهتان".
(٧) في (ط) و (خ): "باهرة".
(٨) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "صافية".