للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَدْرَكَ) (١) قَبْلَ ذَلِكَ، كُلُّ أَحَدٍ يُشَاهِدُ (ذَلِكَ) (٢) مِنْ نَفْسِهِ عِيَانًا، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ بمعلوم دون معلوم، ولا بذات دُونَ صِفَةٍ، وَلَا فِعْلٍ دُونَ حُكْمٍ، فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى الِاسْتِقْلَالِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ـ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِلْمُ الْعَبْدِ، لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى دَعْوَى الِاسْتِقْلَالِ أَلْبَتَّةَ حَتَّى يَسْتَظْهِرَ فِي مَسْأَلَتِهِ بِالشَّرْعِ ـ إِنَّ كانت شرعية ـ لأن (أوضاع) (٣) الشارع (لا تخلّف) (٤) فِيهَا أَلْبَتَّةَ، وَلَا قُصُورَ وَلَا نَقْصَ، بَلْ مباديها موضوعة على وفق الغايات، وهي (معنى) (٥) الْحِكْمَةِ.

وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ مَا نَدَّعِي علمه في الحياة (الدنيا) (٦) يَنْقَسِمُ كَمَا تَقَدَّمَ إِلَى الْبَدِيهِيِّ الضَّرُورِيِّ (٧) وَغَيْرِهِ (فالضروري قد عرفناه، بحيث لا يسعنا إنكاره، وغير الضروري لا يمكننا أن نعرفه) (٨) إِلَّا مِنْ طَرِيقٍ ضَرُورِيٍّ إِمَّا بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، إِذْ قَدِ اعْتَرَفَ الْجَمِيعُ أَنَّ العلوم/ المكتسبة لا بد في تحصيلها من توسط مُقَدِّمَتَيْنِ مُعْتَرَفٍ بِهِمَا (٩)، فَإِنْ كَانَتَا ضَرُورِيَّتَيْنِ فَذَاكَ، وإن كانتا مكتسبتين فلا بد فِي/ اكْتِسَابِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ،


(١) في (غ) و (ر): "يدركه".
(٢) ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر) ومن مصحح (ط).
(٣) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "أوصاف".
(٤) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "تختلف".
(٥) في (ط) و (خ) و (ت): "من".
(٦) زيادة من (غ) و (ر).
(٧) قسم أهل المنطق العلم إلى قسمين: تصور وتصديق، وكل منهما ينقسم إلى بدهي ضروري، ونظري كسبي، وعرفوا التصور: بأنه الإدراك الخالي عن الحكم. والتصديق: بأنه الإدراك الذي معه حكم. والعلم البدهي الضروري: هو الحاصل بلا نظر ولا كسب. والعلم النظري الكسبي: هو ما يحتاج إلى نظر وكسب. انظر: آداب البحث والمناظرة للشنقيطي (١ ٨ ـ ٩) وتسهيل المنطق لعبد الكريم الأثري (ص٩).
(٨) ما بين القوسين زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(٩) قوله بضرورة توسط مقدمتين معترف بهما لحصول العلوم المكتسبة، هو من قول المناطقة، وهو قول مرجوح، وقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه، انظر ـ على سبيل المثال ـ: الرد على المنطقيين (ص١١٠ و١٦٧ و١٨٧ و١٩٣ و٢٥٠ و٣٣٩).