للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّفَاعَةِ/ عَلَى تَوَاتُرِهَا (١)،/ وَقَالُوا: لَنْ يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مَنْ دَخَلَ فِيهَا. وَقَالُوا: لَا نَعْرِفُ حَوْضًا وَلَا مِيزَانًا، وَلَا نَعْقِلُ مَا هَذَا، وَرَدُّوا السُّنَنَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِرَأْيِهِمْ وَقِيَاسِهِمْ إِلَى أَشْيَاءَ يَطُولُ/ ذِكْرُهَا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي (صفات) (٢) الْبَارِي، وَقَالُوا: الْعِلْمُ مُحْدَثٌ فِي حَالِ حُدُوثِ الْمَعْلُومِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عِلْمٌ إِلَّا عَلَى مَعْلُومٍ، فِرَارًا مِنْ قِدَمِ الْعَالَمِ فِي زَعْمِهِمْ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: الرَّأْيُ الْمَذْمُومُ الْمُرَادُ بِهِ الرَّأْيُ الْمُبْتَدَعُ وَشِبْهُهُ مِنْ ضُرُوبِ الْبِدَعِ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَعَمُّ مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ (بِالِاعْتِقَادِ) (٣)، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْعَمَلِيَّاتِ وَغَيْرِهَا.

وَقَالَ آخَرُونَ ـ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُمُ الْجُمْهُورُ ـ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَوْلُ فِي الشَّرْعِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالظُّنُونِ، وَالِاشْتِغَالِ بِحِفْظِ الْمُعْضِلَاتِ، وَرَدِّ الْفُرُوعِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ دُونِ رَدِّهَا إِلَى أُصُولِهَا، فَاسْتُعْمِلَ فِيهَا الرَّأْيُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ، قَالُوا: وَفِي الِاشْتِغَالِ بِهَذَا تَعْطِيلُ السُّنَنِ وَالتَّذَرُّعُ إِلَى جَهْلِهَا (٤).

وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ خَارِجٍ عَمَّا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِلذَّرِيعَةِ إِلَى الرَّأْيِ الْمَذْمُومِ، وَهُوَ مُعَارَضَةُ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَبْحَثْ عَنِ السُّنَنِ جَهِلَهَا فَاحْتَاجَ إِلَى الرَّأْيِ، فَلَحِقَ بِالْأَوَّلِينَ الَّذِينَ عَارَضُوا السُّنَنَ حَقِيقَةً، فَجَمِيعُ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ إِعْمَالُ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ مَعَ طَرْحِ السُّنَنِ، إِمَّا قَصْدًا أَوْ غَلَطًا وَجَهْلًا، وَالرَّأْيُ إِذَا عَارَضَ السُّنَّةَ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ.

/فَالْحَاصِلُ مِنْ مَجْمُوعِ ما تقدم أن الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم رضي الله عنهم لم يعارضوا ما جاء في (السنة) (٥) بِآرَائِهِمْ، عَلِمُوا مَعْنَاهُ أَوْ جَهِلُوهُ، جَرَى لَهُمْ عَلَى مَعْهُودِهِمْ أَوْ لَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ نقله،


(١) المرجع السابق (ص٣٠١).
(٢) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): صفة.
(٣) في (غ) و (ر): بالاعتقاديات.
(٤) نقله المصنف عن جامع بيان العلم (٢/ ١٠٥٤) متصرفاً مختصراً.
(٥) في (غ) و (ر): "السنن".