للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ *} (١)، وإنما ذلك لِأَنَّهُ حَكَّم الْوَحْيَ (عَلَى نَفْسِهِ، حَتَّى صَارَ فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى وَفْقِهِ، فَكَانَ الْوَحْيُ حاكماً (وافق) (٢) قابلاً مُذْعِنًا) (٣) مُلَبِّيًا نِدَاءَهُ، وَاقِفًا عِنْدَ حُكْمِهِ، وَهَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ، إِذْ قَدْ جَاءَ بِالْأَمْرِ وَهُوَ مُؤْتَمَرٌ، وَبِالنَّهْيِ وَهُوَ مُنْتَهٍ، وَبِالْوَعْظِ وَهُوَ مُتَّعِظٌ، وَبِالتَّخْوِيفِ وَهُوَ أَوَّلُ الْخَائِفِينَ، وَبِالتَّرْجِيَةِ وَهُوَ (سَائِقٌ دَابَّةَ الرَّاجِينَ) (٤).

وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ (كُلِّهِ) (٥) جَعْلُهُ الشَّرِيعَةَ الْمُنَزَّلَةَ عَلَيْهِ حُجَّةً (حَاكِمَةً) (٦) عَلَيْهِ، وَدَلَالَةً لَهُ/ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي سَارَ عَلَيْهِ صلّى الله عليه وسلّم، وبذلك صار عبداً لله حَقًّا، وَهُوَ أَشْرَفُ اسْمٍ تَسَمَّى بِهِ الْعِبَادُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ/ لَيْلاً} (٧)، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} (٨)، {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} (٩)، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ/ الْآيَاتِ الَّتِي وَقَعَ مدحه فيها (بصفة) (١٠) العبودية.

وإذا كان (ذلك) (١١) كَذَلِكَ فَسَائِرُ الْخَلْقِ حَرِيُّونَ بِأَنْ تَكُونَ الشَّرِيعَةُ حُجَّةً حَاكِمَةً عَلَيْهِمْ وَمَنَارًا يَهْتَدُونَ بِهَا إِلَى الْحَقِّ، وَشَرَفُهُمْ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِحَسَبِ مَا اتَّصَفُوا بِهِ مِنَ الدُّخُولِ تَحْتَ أَحْكَامِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا قَوْلًا وَاعْتِقَادًا وَعَمَلًا، لَا بِحَسَبِ عُقُولِهِمْ فَقَطْ، وَلَا بِحَسَبِ شَرَفِهِمْ (فِي قَوْمِهِمْ) (١٢) فَقَطْ، لِأَنَّ الله تعالى إنما أثبت الشرف بالتقوى لا غيرها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (١٣)، فَمَنْ كَانَ أَشَدَّ مُحَافَظَةً عَلَى اتِّبَاعِ الشَّرِيعَةِ فهو أولى


(١) سورة القلم: الآية (٤).
(٢) في (ط) و (خ): "وافقا".
(٣) ما بين () ساقط من (غ) و (ر).
(٤) في (غ) و (ر): "سابق حلبة الراجلين".
(٥) ساقط من (غ) و (ر).
(٦) ساقط من (غ) و (ر).
(٧) سورة الإسراء: الآية (١).
(٨) سورة الفرقان: الآية (١).
(٩) سورة البقرة: الآية (٢٣).
(١٠) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "بصحة".
(١١) زيادة من (غ) و (ر).
(١٢) ساقط من (غ) و (ر).
(١٣) سورة الحجرات: الآية (١٣).