للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَامِّيًّا صِرْفًا، فَيَظْهَرُ لَهُ الْإِشْكَالُ عِنْدَمَا يَرَى الِاخْتِلَافَ/ بَيْنَ النَّاقِلِينَ لِلشَّرِيعَةِ، فلا بد له ها هنا مِنَ الرُّجُوعِ آخِرًا إِلَى تَقْلِيدِ بَعْضِهِمْ، إِذْ لَا يُمْكِنُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ تَقْلِيدُ مُخْتَلِفِينَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ مُحَالٌ (وَخَرْقٌ) (١) لِلْإِجْمَاعِ ألا ترى أن القولين إذا وردا على المقلد (٢) فَلَا يَخْلُو أَنْ يُمْكِنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَمَلِ أَوْ لَا يُمْكِنُهُ، فَإِنْ لَمْ (يُمْكِنْهُ) (٣) كَانَ عَمَلُهُ بِهِمَا (مَعًا) (٤) مُحَالًا، وَإِنْ أَمْكَنَهُ صَارَ عَمَلُهُ لَيْسَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ هُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَا قَائِلَ بِهِ، وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَجِدُ صُورَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ مَعُمُولًا بِهَا فِي الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ.

/وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ إِلَّا وَاحِدًا، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْ صَاحِبِهِ، وَلِذَلِكَ خَالَفَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُخَالِفْهُ، وَالْعَامِّيُّ جَاهِلٌ بمواقع الاجتهاد، فلا بد لَهُ مِمَّنْ يُرْشِدُهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلى الحق منهما، وذلك إنما يثبت للعامي بطريق جملي، وَهُوَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِالْأَعْلَمِيَّةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ، ويظهر ذلك من جمهور العلماء والطالبين الذين لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ. لِأَنَّ الْأَعْلَمِيَّةَ تَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْعَامِّيِّ أَنَّ صَاحِبَهَا أَقْرَبُ إلى صوب (الصواب في) (٥) الْعِلْمِ الْحَاكِمِ لَا مِنْ/ جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِذًا لَا يُقَلِّدُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَاكِمًا بِالْعِلْمِ الْحَاكِمِ.

وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُصَمِّمَ عَلَى تَقْلِيدِ مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ فِي تَقْلِيدِهِ الْخَطَأُ شَرْعًا وَذَلِكَ أَنَّ الْعَامِّيَّ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُ قَدْ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ ـ إِمَّا لِكَوْنِهِ أرجح من غيره (عنده) (٦)، أَوْ عِنْدَ أَهْلِ قُطْرِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَهْلُ قُطْرِهِ فِي التَّفَقُّهِ فِي مَذْهَبِهِ دُونَ مَذْهَبِ غَيْرِهِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فإذا تبين له في بعض مسائل (متبوعه) (٧) الْخَطَأُ وَالْخُرُوجُ عَنْ صَوْبِ الْعِلْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَتَعَصَّبُ لِمَتْبُوعِهِ بِالتَّمَادِي عَلَى اتِّبَاعِهِ فِيمَا ظَهَرَ فيه خطؤه، لأن


(١) في سائر النسخ ما عدا (ط): "أو خرق".
(٢) ما بين () زيادة من (غ) و (ر).
(٣) في (ط): "يمكنه بهما".
(٤) زيادة من (خ) و (ت) و (غ) و (ر).
(٥) ما بين القوسين زيادة من (ت).
(٦) ما بين القوسين زيادة من (ت).
(٧) في (ط): متنوعة.