للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ تَحْكِيمَ الرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى كَوْنِهِمْ وَسَائِلَ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ المطلوب شرعاً ضلال، (ولا توفيق) (١) إِلَّا بِاللَّهِ، وَإِنَّ الْحُجَّةَ الْقَاطِعَةَ وَالْحَاكِمَ الْأَعْلَى هو الشرع لا غيره.

ثم نقول: إن هذا (هو) (٢) مَذْهَبُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ رَأَى سَيْرَهُمْ وَالنَّقْلَ عَنْهُمْ وَطَالَعَ أَحْوَالَهُمْ عَلِمَ ذَلِكَ عِلْمًا يَقِينًا، أَلَا تَرَى أَصْحَابَ السَّقِيفَةِ لَمَّا تَنَازَعُوا فِي الْإِمَارَةِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ (٣): (مِنَّا/ أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ) (٤) فَأَتَى الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ (٥)، أَذْعَنُوا لطاعة الله ورسوله ولم يعبأوا بِرَأْيِ مَنْ رَأَى/ غَيْرَ ذَلِكَ، لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى آرَاءِ الرِّجَالِ.

/وَلَمَّا أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، فَرَدَّ عليهم ما استدلوا به (بعين) (٦) مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: (إِلَّا بِحَقِّهَا) فَقَالَ: الزَّكَاةُ حَقُّ الْمَالِ ـ ثُمَّ قَالَ: (وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا أَوْ عَناقاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ) (٧).

فَتَأَمَّلُوا هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ فِيهِ نُكْتَتَيْنِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ سَبِيلًا إِلَى جَرَيَانِ الْأَمْرِ فِي زمانه على


(١) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وما توفيقي".
(٢) زيادة من (غ) و (ر).
(٣) هو الحباب بن المنذر.
(٤) حادثة السقيفة أخرجها البخاري، كما في الفتح (١٢ ١٤٤)، ومسند الإمام أحمد (١ ٥٥)، وطبقات ابن سعد (٢ ٢٦٨)، وتاريخ الطبري (٣ ٢١٨) وغيرهم وهي قصة مشهورة.
(٥) انظر ما تقدم (٣/ ٣٢).
(٦) في سائر النسخ ما عدا (غ): "بغير".
(٧) هذا حديث مشهور مخرج في أكثر كتب السنة، وممن أخرجه البخاري (١٤٠٠ و١٤٥٦ و٦٩٢٥ و٧٢٨٥)، ومسلم (٢٠ ـ ٣٤ و٣٥)، وأحمد (١ ١١ و١٩ و٣٥ و٤٧) و (٢ ٣١٤ و٣٤٥ و٣٧٧ و٣٢٤ و٤٣٩ و٤٧٥ و٤٨٢ و٥٠٢ و٥٢٧ و٥٢٨) و (٣ ٢٩٥ و٣٠٠ و٣٣٢ و٣٣٩ و٣٩٤)، وأبو داود (١٥٥٦ و٢٦٤٠)، وابن ماجه (٧١ و٧٢ و٣٩٢٧ و٣٩٢٨)، والترمذي (٢٦٠٦ و٢٦٠٧ و٣٣٤١)، والنسائي (٢٤٤٣ و٣٠٩٠ ـ ٣٠٩٥ و٣٩٦٩ ـ ٣٩٨٢)، وابن خزيمة (٢٢٤٨)، وابن حبان (١٧٥ و٢١٦ ـ ٢٢٠)، والحاكم (١٤٢٨) وغيرهم.