للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ تَصْنِيفَهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ مُخْتَرَعٌ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي الشَّرْعِ، فَفِي (١) الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (٢)، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ، فَالشَّرْعُ بِجُمْلَتِهِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ، وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ قَاعِدَةِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُهَا بِحَوْلِ اللَّهِ (٣).

فَعَلَى الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِهَا أَصْلًا شَرْعِيًّا لَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ خَادِمٍ لِلشَّرِيعَةِ دَاخِلٌ تَحْتَ أَدِلَّتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْخُوذَةٍ مِنْ جزئي واحد، فليس (٤) بِبِدْعَةٍ أَلْبَتَّةَ.

وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعُلُومُ مُبْتَدَعَاتٍ، وَإِذَا دَخَلَتْ في قسم (٥) الْبِدَعِ كَانَتْ قَبِيحَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ من غير استثناء (٦)، كَمَا يَأْتِي (٧) بَيَانُهُ (٨) إِنْ شَاءَ اللَّهُ (٩).

وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَتْبُ الْمُصْحَفِ، وَجَمْعُ الْقُرْآنِ قَبِيحًا، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَيْسَ إِذًا ببدعة (١٠).


= مما يعلم بالاضطرار أن نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم لم يأتِ به، ولم يَدْعُ إليه، فعلى هذا فعلم الكلام مبتدع، وليس كعلم الفقه ولا غيره. انتهى مع اقتباس من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (١/ ٢٦ ـ ٤٣).
(١) في (ت): "وفي".
(٢) يريد قوله صلّى الله عليه وسلّم: "عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين"، فإذا ثبت عن عمر أو عليّ رضي الله عنهما الأمر بوضع قواعد النحو، فهو من سنّة الخلفاء الراشدين المأمور بها، وليس من البدع، وقد اعتمد المؤلف على الحديث في الإجابة على مثل هذا، وكذلك استدلّ بكتابة الحديث في زمنه صلّى الله عليه وسلّم. (١/ ٣٤٧ ـ ٣٤٨).
(٣) سوف يفرد المؤلف الباب الثامن لهذه القاعدة، ويضرب لها عشرة أمثلة، ويذكر الفرق بينها وبين الابتداع، وكذلك الفرق بين الاستحسان والابتداع (٢/ ١١١).
(٤) في (م) و (ر) و (خ) و (ت) و (ط): "فليست".
(٥) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "علم".
(٦) المثبت من (ر)، وفي بقية النسخ: "إشكال".
(٧) في (ر): "سيأتي".
(٨) ساقطة من (م) و (غ) و (ر).
(٩) سيتناول ذلك في نهاية الباب الثاني (ص٢٥٤)، وبداية الباب الثالث (ص٢٦٧).
(١٠) سيتكلم المؤلف عن جمع القرآن، وكتابة المصحف في الباب الثالث (ص٣٤٥ ـ ٣٤٦)، وكذلك سيجعله مثالاً من أمثلة المصالح المرسلة في الباب الثامن (٢/ ١١٥).