للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُبْتَدِعًا أَمْ لَا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّارِكَ لِلْمَطْلُوبَاتِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتْرُكَهَا لِغَيْرِ التَّدَيُّنِ، إِمَّا كَسَلًا، أَوْ تَضْيِيعًا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الدَّوَاعِي النَّفْسِيَّةِ، فَهَذَا الضَّرْبُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَالَفَةِ لِلْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ فِي وَاجِبٍ فَمَعْصِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي نَدْبٍ فَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ إِذَا كَانَ التَّرْكُ جُزْئِيًّا، وَإِنْ كَانَ (١) كُلِيًّا فَمَعْصِيَةٌ حَسْبَمَا تبيَّن فِي الْأُصُولِ (٢).

وَالثَّانِي: أَنْ يَتْرُكَهَا تَدَيُّنًا، فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ قَبِيلِ الْبِدَعِ حَيْثُ تَدَيَّنَ بِضِدِّ مَا شَرَعَ اللَّهُ، وَمِثَالُهُ أهل الإباحة القائلون بإسقاط التكليف (٣) إِذَا بَلَغَ السَّالِكُ عِنْدَهُمُ الْمَبْلَغَ الَّذِي حَدُّوهُ (٤).

فإذا قوله في الحدّ: (طريقة [في الدين] (٥) مُخْتَرَعَةٌ تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ)، يَشْمَلُ (٦) الْبِدْعَةَ التَّرْكِيَّة كَمَا يَشْمَلُ غَيْرَهَا (٧)؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَيْضًا تَنْقَسِمُ إِلَى تَرْكٍ وَغَيْرِهِ.

وَسَوَاءٌ عَلَيْنَا قُلْنَا: إِنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ، أَمْ قُلْنَا: إِنَّهُ نَفْيُ الْفِعْلِ، على (٨) الطريقتين المذكورتين في أصول الفقه (٩).


(١) ساقطة من (ط).
(٢) وقد تكلّم المؤلف رحمه الله في الموافقات عن هذا فقال: "إذا كان الفعل مندوباً بالجزء كان واجباً بالكل، كالأذان في المساجد الجوامع أو غيرها، وصلاة الجماعة وصلاة العيدين، وصدقة التطوّع، والنكاح، والوتر، والفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب، فإنها مندوب إليها بالجزء. ولو فرض تركها جملة لجرح التارك لها. ألا ترى أن في الأذان إظهاراً لشعائر الإسلام، ولذلك يستحق أهل المصر القتال إذا تركوه. وكذلك صلاة الجماعة من داوم على تركها يجرح، فلا تقبل شهادته ... فالترك لها جملة مؤثر في أوضاع الدين إذا كان دائماً، أمّا إذا كان في بعض الأوقات، فلا تأثير له فلا محظور في الترك"، الموافقات (١/ ١٣٢).
(٣) في (ط): "التكاليف".
(٤) يريد بهم غلاة المتصوّفة الذين يسقطون التكليف عن السالك إذا بلغ مرتبة الولاية. انظر كلام المؤلف في الباب الرابع (١/ ٢٤٦).
(٥) ساقط من جميع النسخ عدا (ر).
(٦) في (خ): "يشمل على البدعة".
(٧) في (ر): "الطريق".
(٨) ساقطة من (ط).
(٩) اختلف علماء الأصول في الترك هل هو فعل أو نفي للفعل، فذهب جمهور =