للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا إِنْ كَانَ التَّرْكُ (١) تَدَيُّنًا، فَهُوَ الِابْتِدَاعُ فِي الدِّينِ عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ، إِذْ قَدْ فَرَضْنَا الْفِعْلَ جَائِزًا شَرْعًا (٢) فَصَارَ التَّرْكُ الْمَقْصُودُ مُعَارَضَةً لِلشَّارِعِ فِي شَرْعِ التَّحْلِيلِ (٣). وَفِي مِثْلِهِ نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ *} (٤)، فَنَهَى أَوَّلًا عَنْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ، ثُمَّ جَاءَتِ الآية تشعر بأن ذلك اعتداء، (وأن من اعتدى) (٥) لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَسَيَأْتِي لِلْآيَةِ تَقْرِيرٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (٦).

لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ همَّ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، وَآخَرَ (٧) الْأَكْلَ بِالنَّهَارِ، وَآخَرَ إِتْيَانَ النِّسَاءِ، وَبَعْضُهُمْ هَمَّ بِالِاخْتِصَاءِ (٨)، مُبَالَغَةً فِي تَرْكِ شَأْنِ (٩) النِّسَاءِ. وَفِي أَمْثَالِ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (١٠).

فَإِذَا كُلُّ مَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ تَنَاوُلِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ـ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ـ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (وَالْعَامِلُ بِغَيْرِ السُّنَّةِ تَدَيُّنًا هُوَ الْمُبْتَدِعُ بِعَيْنِهِ) (١١).

فَإِنْ قِيلَ: فَتَارِكُ الْمَطْلُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ـ نَدْبًا أو وجوباً ـ هل يسمى


(١) في (م) و (خ): "التارك".
(٢) في (ت): "شرعياً".
(٣) في (ط): "التحيلل".
(٤) سورة المائدة، آية (٨٧).
(٥) ما بين المعكوفين ساقط من (ط).
(٦) وذلك في الباب الخامس، حيث يفرد لها المؤلف فصلاً يبين فيه سبب نزولها، ويذكر فيه مسائلها (١/ ٣٢٣).
(٧) في (ت): "والآخر".
(٨) غير واضحة في (ت).
(٩) في (م): "شبان".
(١٠) رواه الإمام البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح (٩/ ١٠٤)، ورواه مسلم في كتاب النكاح (٩/ ١٧٥)، والنسائي في نفس الكتاب (٦/ ٦٠)، والإمام أحمد في المسند (٣/ ٢٤١) جميعهم عن أنس رضي الله عنه في قصة الثلاثة الذين تقالوا عبادة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأرادوا أن يصنعوا ما ذكر فكان من ردّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "فمن رغب عن سنّتي فليس مني"، ورواه أيضاً الدارمي عن سعد بن أبي وقاص في قصة رد التبتّل على عثمان بن مظعون (٢/ ١٧٩).
(١١) ما بين المعكوفين ساقط من (ت).