للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَرَفَتْ مِنْهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، وَلَا يَزِيغُ عَنْهَا (١) بَعْدِي إِلَّا هالك، من (٢) يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عرفتم من سنّتي، وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين (٣) مِنْ بَعْدِي" (٤) الْحَدِيثَ.

وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى أَتَى بِبَيَانِ جَمِيعِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ (٥) الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَهَذَا لَا مُخَالِفَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَالْمُبْتَدِعُ إِنَّمَا مَحْصُولُ قَوْلِهِ بِلِسَانِ حَالِهِ أَوْ (٦) مَقَالِهِ: إِنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَتِمَّ، وَأَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ اسْتِدْرَاكُهَا (٧)، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَقِدًا لِكَمَالِهَا وَتَمَامِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَمْ يَبْتَدِعْ (٨)، وَلَا اسْتَدْرَكَ عَلَيْهَا، وَقَائِلُ هَذَا ضَالٌّ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ (٩): سَمِعْتُ مالكاً يقول: "من ابتدع في الإسلام


(١) في (م) و (ر) و (خ): "عليها"، وفي (ط): "عنها".
(٢) في (ط): "ومن".
(٣) ساقطة من جميع النسخ عدا (غ).
(٤) رواه الإمام ابن ماجه عن العرباض بن سارية في باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (١/ ١٦)، ورواه الإمام أحمد في المسند (٤/ ١٢٦)، ورواه أبو داود، برقم (٤٦٠٧)، (٤/ ٢٠٠)، وليس فيه: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا وَلَا يَزِيغُ عنها بعدي إلاّ هالك"، ورواه الترمذي برقم (٢٦٧١)، وليس فيه: "تركتكم على البيضاء ... "، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم (١/ ٩٥)، والبيهقي (١٠/ ١١٤)، وابن حبان (١/ ١٠٤)، واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (١/ ٧٤)، والمروزي في السنة (ص٢٦)، والآجري في الشريعة (ص٤٧)، وابن أبي عاصم في السنّة، وقال الألباني في تعليقه على الكتاب: "حديث صحيح" (١/ ٢٧). وانظر صحيح الجامع الصغير للألباني (١/ ٤٩٩).
(٥) ساقطة من (ت).
(٦) في (ت): "و".
(٧) في (غ): "إدراكها".
(٨) في (م) و (خ): "لم يبدع".
(٩) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ابن الماجشون، أبو مروان، المدني الفقيه، كان مفتي أهل المدينة، روى عن أبيه وعن مالك، وكان رفيق الشافعي، وهو صدوق، وله أغلاط في الحديث، توفي سنة ٢١٤هـ.
انظر: تقريب التهذيب لابن حجر (١/ ٥٢٠)، الكاشف للذهبي (٢/ ١٨٦).