للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا الرَّأْيُ الْمَذْمُومُ الْمَعِيبُ الرَّأْيُ الْمُبْتَدَعُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ ضُرُوبِ الْبِدَعِ، فَإِنَّ حَقَائِقَ جَمِيعِ الْبِدَعِ رُجُوعٌ إِلَى الرَّأْيِ، وَخُرُوجٌ عَنِ الشَّرْعِ (١). وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ، إِذِ الْأَدِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا تَقْتَضِي بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبِدَعِ نَوْعًا دُونَ (٢) نَوْعٍ، بَلْ ظَاهِرُهَا يقتضي (٣) الْعُمُومَ فِي كُلِّ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ أَوْ تَحْدُثُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَانَتْ مِنَ (٤) الْأُصُولِ أَوِ الْفُرُوعِ (٥)، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ (٦) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (٧) بعد ما حَكَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخَوَارِجِ (٨).

وَكَأَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّخْصِيصِ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ لَمْ يَقُلْ بِهِ (٩) بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، بَلْ أَتَى بِمِثَالٍ مِمَّا تَتَضَمَّنُهُ (١٠) الْآيَةُ، كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ (١١) مُشْتَهِرًا في ذلك الزمان، فهو أولى مَا يُمَثَّلُ بِهِ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ مَسْكُوتًا عَنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، وَلَوْ سُئِلَ عَنِ الْعُمُومِ لَقَالَ بِهِ.

وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ أَهْلِ الْبِدَعِ إِنَّمَا تَحْصُلُ عَلَى التَّفْسِيرِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى مِنْ سُورَةِ آلِ عمران إنما نزلت فِي قِصَّةِ نَصَارَى نَجْرَانَ؟ ثُمَّ نُزِّلت عَلَى الْخَوَارِجِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ (١٢)، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي التَّفْسِيرِ، إِنَّمَا يَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا يشمله


=الدين علم الكلام، والصحيح أن كتب العقيدة التي قرر فيها أهل السنة عقيدتهم، وردوا فيها على المبتدعة لا تسمى كتب الكلام، لأن الكلام مذموم، وكتبه مذمومة، بل تسمى كتب العقيدة، أو كتب السنة أو نحوها، وتقدم التعليق على نحو هذا في الموضع المذكور.
(١) انظر هذا القول في جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (٢/ ١٣٨).
(٢) في (ت): "وبعد".
(٣) في (م) و (خ) و (ط): "تقتضي".
(٤) مطموسة في (ت).
(٥) فالأول خَاصٌّ بِالِاعْتِقَادِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْعَمَلِيَّاتِ وَغَيْرِهَا كما ذكر ذلك المؤلف في الباب العاشر (٢/ ٣٣٥) من طبعة رشيد رضا.
(٦) تقدمت ترجمته رحمه الله (ص٧٦).
(٧) سورة الأنعام: آية (١٥٩).
(٨) تقدم قوله (ص٩٣).
(٩) ساقطة من (ت).
(١٠) في (ت): "تضمنته".
(١١) المثبت من (غ) و (ر)، وفي بقية النسخ "قال"، وهي غير واضحة في (خ).
(١٢) انظر الآية وحمل بعض الصحابة لها على الخوارج (ص٧٥ ـ ٨١).