للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَوْضِعُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ الْحَاضِرَةِ لَا بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ لُغَةً.

وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْهَمَ أقوال المفسرين المتقدمين، وهو الأولى بمناصبهم (١) فِي الْعِلْمِ، وَمَرَاتِبِهِمْ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَقْرِيرٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (٢).

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ـ وَهُمْ فِيمَا زَعَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ (٣) ـ: الرَّأْيُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ هُوَ الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الدِّينِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالظُّنُونِ، وَالِاشْتِغَالُ بِحِفْظِ الْمُعْضِلَاتِ والأُغْلُوطَات (٤)، وَرْدُّ الْفُرُوعِ وَالنَّوَازِلِ (٥) بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ قِيَاسًا، دُونَ رَدِّهَا إِلَى أُصُولِهَا وَالنَّظَرِ فِي عِلَلِهَا وَاعْتِبَارِهَا، فَاسْتُعْمِلَ فِيهَا الرَّأْيُ قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ، وَفُرِّعَتْ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ، وَتُكُلِّمَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ بِالرَّأْيِ الْمُضَارِعِ (٦) لِلظَّنِّ.

قَالُوا: لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَذَا وَالِاسْتِغْرَاقِ فِيهِ تَعْطِيلُ السُّنَنِ وَالْبَعْثُ عَلَى جَهْلِهَا، وَتَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى مَا يَلْزَمُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَمِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَانِيهِ.

وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا (٧): أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَعَنَ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ (٨)، وَمَا جَاءَ مِنَ النهي عن الأغلوطات (٩) ـ وهي صعاب


(١) في (م) و (خ) و (ط): "لمناصبهم".
(٢) وقريب من هذا المعنى ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع اختلاف السلف في التفسير، وأن غالبه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد. انظر مقدمة التفسير ضمن الفتاوى (١٣/ ٣٣٣ ـ ٣٤٤).
(٣) انظر قولهم في جامع بيان العلم وفضله (٢/ ١٣٩).
(٤) الأغلوطات جمع أغلوطة. والأغلوطة بالضم ما يغلّط به من المسائل. انظر الصحاح (٣/ ١١٤٧). وقال الإمام الأوزاعي: هي شواذ المسائل وصعابها. انظر: مسند الإمام أحمد (٥/ ٤٣٥)، الإبانة الكبرى (١/ ٤٠٢)، شرح السنة للبغوي (١/ ٣٠٨)، الفقيه والمتفقه للخطيب (٢/ ١١)، المدخل للبيهقي (ص٢٢٩).
(٥) في (ط): "النوازع" وهو خطأ.
(٦) في (خ): "المعارض".
(٧) في (ت): "ومنها".
(٨) رواه الإمام الدارمي في سننه، باب كراهية الفتيا عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما (١/ ٦٢)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (٢/ ١٣٩، ١٤٣).
(٩) في (غ) و (ر) "الغلوطات"، وقد رواه الإمام أبو داود في سننه، باب التوقي في الفتيا عن=