للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَحْضِ، كَانَ كُفْرُهُمْ أَصْلًا أَوِ ارْتِدَادًا، وَلِقَوْلِهِ: "قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ" (١)، وَلَوْ كَانَ الْكُفْرُ، لَقَالَ: قَدْ كَفَرُوا بَعْدَكَ، وَأَقْرَبُ مَا يُحْمَلُ (٢) عَلَيْهِ تَبْدِيلُ السُّنَّةِ، وَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ (٣). ومن قال: إنهم (٤) أهل (٥) النِّفَاقُ فَذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ مَقْصُودِنَا، لِأَنَّ أَهْلَ النِّفَاقِ إِنَّمَا أَخَذُوا الشَّرِيعَةَ تَقِيَّةً لَا تعبدا، فوضعوها غَيْرِ مَوَاضِعِهَا وَهُوَ عَيْنُ الِابْتِدَاعِ. وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى كُلُّ مَنِ اتَّخَذَ السُّنَّةَ وَالْعَمَلَ بِهَا حِيلَةً (٦) وَذَرِيعَةً إِلَى نَيْلِ حُطَامِ الدُّنْيَا، لَا عَلَى التَّعَبُّدِ بِهَا لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لها، وإخراج لها عن وضعها الشرعي.

وَأَمَّا الْخَوْفُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، فَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنَ السَّلَفِ الْأَوَّلِ وَغَيْرَهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ (٧) كَثِيرٍ مِنْ فِرَقِهِمْ مِثْلَ الْخَوَارِجِ (٨)، وَالْقَدَرِيَّةِ (٩) وَغَيْرِهِمْ (١٠)، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (١١)، وقوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (١٢) الْآيَةَ.

وَقَدْ حَكَمَ (١٣) الْعُلَمَاءُ بِكُفْرِ جُمْلَةٍ مِنْهُمْ كَالْبَاطِنِيَّةِ (١٤) وَسِوَاهُمْ، لِأَنَّ مَذْهَبَهُمْ رَاجِعٌ إِلَى مَذْهَبِ الْحُلُولِيَّةِ (١٥) الْقَائِلِينَ بِمَا يُشْبِهُ قَوْلَ النَّصَارَى فِي


=وردت في حديث أبي هريرة السابق (ص١٢١)، إلا أن المؤلف اختصره.
(١) تقدم تخريج الحديث (ص١٢١).
(٢) في (ت): "حمل".
(٣) وسيتكلم المؤلف عن هذه المسألة أيضاً في المسألة السادسة من الباب التاسع (٢/ ٢٠٢ ـ ٢٠٦).
(٤) المثبت من (غ) و (ر)، وفي بقية النسخ: "إنه".
(٥) ساقطة من النسخ عدا (غ).
(٦) في (م) و (خ): "حلية"، وصححت في هامش (خ)، وهي غير واضحة في (ت).
(٧) ساقطة من (ت).
(٨) تقدم التعريف بهم (ص١١).
(٩) تقدم التعريف بهم (ص١١).
(١٠) سوف يتكلم المؤلف عن مسألة تكفير المبتدعة في الباب التاسع (٢/ ١٩٤ ـ ١٩٨، ٢٠٢ ـ ٢٠٦، ٢٤٦ ـ ٢٤٩)، وتقدم الكلام على تكفير الخوارج (ص٧٩).
(١١) سورة الأنعام: آية (١٥٩).
(١٢) سورة آل عمران: آية (١٠٦).
(١٣) في (م) و (ت) و (ر) و (غ): "حتم".
(١٤) تقدم التعريف بهم (ص٢٨).
(١٥) الحلولية قوم يزعمون أنه قد حصل لهم الحلول، وهو حلول الله بذاته في الأجسام أو=