للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَى الْمُحْتَجِّينَ بِمَا (١) تَقَدَّمَ: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} (٢)، وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (٣)، فَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} (٤)، وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} (٥)، وأمثال ذلك كثير.

وَعَلَامَةُ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ أَنْ يَرُدَّ خِلَافَ مذهبه بما قدر (٦) عَلَيْهِ مِنْ شُبْهَةِ دَلِيلٍ تَفْصِيلِيٍّ أَوْ إِجْمَالِيٍّ، وَيَتَعَصَّبُ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ، غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَى غيره، وهو عين اتباع الهوى، (وإذا ظهر اتِّبَاعِ الْهَوَى) (٧) فَهُوَ الْمَذْمُومُ حَقًّا، وَعَلَيْهِ يَحْصُلُ الإثم، فإن كان (٨) مسترشداً مال إلى الحق حيثما (٩) وَجَدَهُ، وَلَمْ يَرُدَّهُ. وَهُوَ (١٠) الْمُعْتَادُ فِي طَالِبِ الحق، ولذلك بادر المحقون (١١) إِلَى اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سِوَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنِ الْبِدْعَةِ، ولم يدخل مع المتعصبين (١٢)، لَكِنَّهُ عَمِلَ بِهَا، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ مُعَذَّبُونَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إِذَا اتَّبَعُوا مَنِ اخْتَرَعَ مِنْهُمْ، فَالْمُتَّبِعُونَ لِلْمُبْتَدَعِ إِذَا (١٣) لَمْ يَجِدُوا مُحِقًّا مُؤَاخَذُونَ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُعَذَّبُونَ حَتَّى يُبْعَثَ لَهُمُ الرَّسُولُ (١٤) وَإِنْ عَمِلُوا بِالْكُفْرِ، فهؤلاء لا يؤاخذون ما لم يكن فيهم (١٥) محق (١٦)، فإذ ذاك


(١) في (غ) و (ر): "لما".
(٢) سورة الزخرف: آية (٢٤).
(٣) سورة البقرة: آية (١٧٠).
(٤) نفس الآية السابقة.
(٥) سورة لقمان، آية (٢١).
(٦) ساقطة من (خ) و (ط).
(٧) ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ط).
(٨) في (خ) و (ط): "من كان".
(٩) في (خ) و (ط): "حيث".
(١٠) في (غ): "وهذا".
(١١) في (ط): "المحققون".
(١٢) في (خ) و (ط): "المتعاصيين"، وفي (م) و (ت): "المتعاصبين".
(١٣) في (م): "إذ".
(١٤) في (غ): "الرسل".
(١٥) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "فيه".
(١٦) وإعذار المبتدع الجاهل الذي يشبه أهل الفترة هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في الفتاوى (٣٥/ ١٦٤ ـ ١٦٥)، وقد فصل الكلام في هذه الأحكام وجمع أقوال العلماء فيها الأستاذ سعيد بن ناصر الغامدي في كتابه حقيقة البدعة وأحكامها (وهي رسالة جامعية) (٢/ ٢٢٣ ـ ٣٢٧).