للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ (١): "اعْلَمْ" قال: [ما] (٢) أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "اعْلَمْ يَا بلال" قال: [ما] أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "إِنَّهُ مَنْ أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بها، من غير أن ينقص (٣) مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَالَةً، لَا تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ (٤) مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ من أوزار (٥) النَّاسِ شَيْئًا" حَدِيثٌ حَسَنٌ (٦).

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ" ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ". حَدِيثٌ حَسَنٌ (٧).

فَقَوْلُهُ: "مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي" وَاضِحٌ فِي الْعَمَلِ بِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "مَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي" ظَاهِرٌ فِي السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: مَنْ سَنَّ كَذَا، فإنه ظاهر فِي الِاخْتِرَاعِ أَوَّلًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي السُّنَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ لِبِلَالِ بْنِ الحارث: "ومن ابتدع بدعة ضلالة"، فظاهر في (٨) أَنَّ (٩) الْبِدْعَةَ لَا تُذَمُّ بِإِطْلَاقٍ، بَلْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ ضَلَالَةً، وَأَنْ تَكُونَ لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

فَاقْتَضَى (هَذَا كُلُّهُ) (١٠) أَنَّ الْبِدْعَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَلْحَقْهَا ذَمٌّ،


(١) هو بلال بن الحارث بن عصم بن سعيد المزني، من أهل المدينة، أقطعه النبي صلّى الله عليه وسلّم العقيق، وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح، أحاديثه في السنن وغيرها، مات سنة ٦٠هـ.
انظر: الإصابة لابن حجر (١/ ١٧٠)، أسد الغابة لابن الأثير (١/ ٢٤٢).
(٢) ما بين المعكوفين من سنن الترمذي.
(٣) في (خ) و (ط): "ينقص ذلك".
(٤) في (خ) و (ط): "إثم".
(٥) في (خ) و (ط): "آثام"، والمثبت هو الموافق للرواية.
(٦) تقدم تخريجه (ص٣٣).
(٧) تقدم تخريج الحديث (ص٣٤).
(٨) زيادة في (م).
(٩) في (غ): "بأن".
(١٠) ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (ت) و (غ).