للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك مَسْأَلَةُ الْخَوَاصِّ، فَإِنَّ التَّوَقِّيَ مِنْ مَظَانِّ الْمُهْلِكَاتِ (١) مَشْرُوعٌ، فَخِلَافُهُ يَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ مُعْتَادٌ فِي أَهْلِ هَذِهِ (٢) الطَّرِيقَةِ.

وَكَذَلِكَ كَلَامُ الشَّجَرَةِ لِلشِّبْلِيِّ (٣) مِنْ جُمْلَةِ الْخَوَارِقِ، وَبِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْهُودٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَبْنُونَ طَرِيقَهُمْ عَلَى اجْتِنَابِ الرُّخَصِ جُمْلَةً، حَتَّى إِنَّ شيخهم المصنف (٤) الَّذِي مَهَّدَ لَهُمُ الطَّرِيقَةَ أَبَا الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيَّ (٥)، قَالَ فِي بَابِ وَصِيَّةِ الْمُرِيدِينَ مِنْ رِسَالَتِهِ: "إن اختلفت (٦) عَلَى الْمُرِيدِ فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ يَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ، وَيَقْصِدُ أَبَدًا الْخُرُوجَ عَنِ (٧) الْخِلَافِ، فَإِنَّ الرُّخَصَ فِي الشَّرِيعَةِ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ وَالْأَشْغَالِ، وَهَؤُلَاءِ الطَّائِفَةُ ـ يَعْنِي الصُّوفِيَّةَ ـ لَيْسَ لَهُمْ شُغْلٌ سِوَى الْقِيَامِ بِحَقِّهِ سُبْحَانَهُ، وَلِهَذَا قِيلَ: إِذَا انْحَطَّ الْفَقِيرُ عَنْ (٨) دَرَجَةِ الْحَقِيقَةِ إِلَى رُخْصَةِ الشَّرِيعَةِ، فَقَدْ فَسَخَ عَقْدَهُ (مَعَ اللَّهِ) (٩)، وَنَقَضَ عَهْدَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ" (١٠).

فَهَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمُ التَّرَخُّصُ فِي مَوَاطِنِ الترخص المشروع، وهو خلاف (١١) مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

فَالْتِزَامُ الْعَزَائِمِ مَعَ وُجُودِ مَظَانِّ (١٢) الرُّخَصِ ـ الَّتِي قال فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ (١٣) يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ" (١٤) ـ فِيهِ مَا فِيهِ.


(١) في (ر): "الهلكات".
(٢) في (م) و (خ) و (ط): "هاته".
(٣) في (خ) و (ت): "للشبيلي".
(٤) ساقطة من (خ) و (ط).
(٥) تقدمت ترجمته (ص١٦٠).
(٦) في (ط): "اختلف".
(٧) في (م) و (ت) و (ر): "على".
(٨) في (خ): "على".
(٩) ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ط)، وفي (ت): سقط لفظ الجلالة فقط.
(١٠) انظر: قوله في الرسالة القشيرية (ص٢١٣).
(١١) ساقطة من (خ) و (ط).
(١٢) في (ط): "مضار".
(١٣) لفظ الجلالة أثبت في هامش (م)، وكتب في (ت) فوق السطر.
(١٤) رواه الإمام الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس رضي الله عنه برقم (١١٨٨٠) =