للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأَحاديث الضَّعِيفَةُ الإِسناد لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا، فَلَا يُمْكِنُ أَن يُسْنَدَ إِليها حُكْمٌ، فَمَا ظَنُّكَ بالأَحاديث الْمَعْرُوفَةِ الْكَذِبِ؟

نَعَمْ؛ الْحَامِلُ عَلَى اعْتِمَادِهَا فِي الْغَالِبِ إِنما هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْهَوَى المتَّبع، وَهَذَا كُلُّهُ (١) عَلَى فَرْضِ أَن لَا يُعَارِضَ الْحَدِيثَ أَصل مِنْ أُصول الشَّرِيعَةِ، وأَما إِذا كَانَ لَهُ مُعَارَضٌ فأَحْرَى أَن لا يُؤخذ به؛ لأَن الأَخذ به (٢) هَدْمٌ لأَصل مِنْ أُصول الشَّرِيعَةِ، والإِجماع عَلَى مَنْعِهِ إِذا كَانَ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْوَهْمِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، أَو الغلط (٣)، أَو النِّسْيَانِ، فَمَا الظَّنُّ بِهِ إِذا لَمْ يَصِحَّ؟ عَلَى أَنه قَدْ رُوِيَ عَنْ أَحمد بْنِ حَنْبَلٍ أَنه قَالَ: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ خَيْرٌ من القياس (٤). وظاهره يقتضي العمل


(١) في (غ) و (ر): "كله إنما هو".
(٢) قوله: "لأن الأخذ به" سقط من (خ)، ولذا علق رشيد رضا على قوله "هدم"، فقال: كذا!! ولعل الأصل: "فهو هدم"، أو: "لأنه هدم".
(٣) في (خ): "أو الغلط من بعض الرواة".
(٤) أخرجه ابن حزم في "المحلى" (١/ ٦٨) من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه أنه قال: "الحديث الضعيف أحب إلينا من الرأي". وقال ابن الجوزي في "التحقيق" (١/ ١٤٣): "ومن مذهب أحمد تقديم الحديث الضعيف على القياس".
وقد علق رشيد رضا رحمه الله بعد هذا الموضع بأسطر بتعليق أخذه عن ابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله، فقال: "قال العلامة ابن القيم في "أعلام الموقعين" عند بيان ترجيح أحمد الحديث الضعيف والمرسل على القياس بشرطه ما نصه: وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به؛ بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن. ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب اهـ.
وسبقه إلى مثله شيخه ابن تيمية رحمهما الله تعالى، فصرح بأن أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام: صحيح وحسن وضعيف: الترمذي، وأن الضعيف الذي يرجحه أحمد على الرأي هو الحسن عند الترمذي ومن اختار تقسيمه، كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحديث إبراهيم الهجري. فما ضعفوه بعلة تقتضي الترك لا يأخذ به أحمد ولا يرجحه على القياس، وما ضعفوه بعلة من علل الحديث لا تقتضي الترك يأخذ به، ويرجحه على القياس إذا لم يكن ثَمَّ شيء يدفعه من حديث صحيح أو قول صحابي أو إجماع. وهذا الذي يقول به أحمد كان عليه عمل جمهور الفقهاء في عصره الذي تحرر فيه نقد الحديث، أي: لم يكونوا يتركون العمل بكل=