للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسيأْتي. وَالْجَمِيعُ دَاخِلُونَ تَحْتَ ذَمِّهَا.

وَرُبَّمَا احْتَجَّ طائفة من نابغة الْمُبْتَدَعَةِ عَلَى رَدِّ الأَحاديث بأَنها إِنما تُفِيدُ الظَّنَّ (١)، وَقَدْ ذُمّ الظنُّ فِي الْقُرْآنِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} (٢)، وَقَالَ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (٣)، وَمَا جاءَ فِي مَعْنَاهُ، حَتَّى أَحَلُّوا أَشياءَ مِمَّا حَرَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ تَحْرِيمُهَا فِي القرآن نصاً، وإنما قصدوا بذلك (٤) أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ مِنْ أَنظار عُقُولِهِمْ مَا استحسنوا.

والظن المراد في الآيات (٥) وَفِي الْحَدِيثِ (٦) أَيْضًا غَيْرُ مَا زَعَمُوا، وَقَدْ وجدنا له (٧) محامل (٨) ثلاثة:

أحدها: أنه (٩) الظَّنُّ فِي أُصول الدِّينِ، فَإِنَّهُ لَا يُغْنِي عِنْدَ الْعُلَمَاءِ؛ لِاحْتِمَالِهِ النَّقِيضَ عِنْدَ الظَّانِّ، بِخِلَافِ الظَّنِّ فِي الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ أهل الشريعة للدليل الدالّ على إعماله، فكأنّ الظن مذموم (١٠)، إِلَّا مَا تَعَلَّقَ بِالْفُرُوعِ مِنْهُ (١١)، وَهَذَا صَحِيحٌ ذكره العلماءُ في الْمَوْضِعِ (١٢).

وَالثَّانِي: أَنَّ الظَّنَّ هُنَا هُوَ تَرْجِيحُ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مرجِّح، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَذْمُومٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنَ التحكُّم، وَلِذَلِكَ أُتْبِعَ فِي الْآيَةِ بِهَوَى النَّفْسِ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ}، فَكَأَنَّهُمْ مَالُوا إِلَى أَمْرٍ بِمُجَرَّدِ (١٣) الْغَرَضِ وَالْهَوَى، لَا بِاتِّبَاعِ الْهُدَى الْمُنَبِّهِ


(١) في (غ) و (ر): "ظنا".
(٢) سورة النجم: الآية (٢٣).
(٣) سورة النجم: الآية (٢٨).
(٤) في (خ): "من ذلك".
(٥) في (خ) و (م): "الآية".
(٦) يعني حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيّاكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث .... " إلخ. أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥١٤٣ و٦٠٦٤ و٦٠٦٦ و٦٧٢٤)، ومسلم (٢٥٦٣).
(٧) قوله: "له" ليس في (غ) و (ر).
(٨) في (خ) و (م) "محال".
(٩) قوله: "أنه" ليس في (خ) و (م).
(١٠) في (خ): "مذموماً".
(١١) في (خ): "منه بالفروع".
(١٢) علق رشيد رضا هنا بقوله: كذا! ولعل الأصل: "في هذا الموضع".
(١٣) في (ر) و (غ): "مجرد".