للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأَوقات، لَمْ يَكُنْ فِي نَدْبِ الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ المُلْتَزَم، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ؛ لأَن الْتِزَامَ الأُمور غَيْرِ اللَّازِمَةِ شَرْعًا شأْنها أَن تُفْهِم التَّشْرِيعَ، وخصوصاً مع من يُقْتَدَى به، وفي (١) مجامع الناس؛ كالمساجد، فإِنها إِذا أُظْهِرَتْ (٢) هَذَا الإِظهار، وَوُضِعَتْ فِي الْمَسَاجِدِ كَسَائِرِ الشَّعَائِرِ الَّتِي وَضَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسَاجِدِ وَمَا أَشبهها؛ كَالْأَذَانِ، وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْكُسُوفِ؛ فُهِم مِنْهَا بِلَا شَكٍّ أَنها سنن، إن لم يفهم منها الفريضة (٣)، فأَحرى أَن لَا يَتَنَاوَلَهَا الدَّلِيلُ الْمُسْتَدَلُّ بِهِ، فصارت من هذه الجهة بدعاً محدثة، يَدُلُّك (٤) على (٥) ذلك: ترك التزام السلف الصالح لِتِلْكَ الأَشياء، أَوْ عَدَمِ (٦) الْعَمَلِ بِهَا، وَهُمْ كَانُوا أَحق بِهَا وأَهلها لَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً عَلَى مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ؛ لأَن الذِّكْرَ قَدْ نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّرْعُ نَدْبًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، حَتَّى إِنه لم يُطْلَب فيه تكثيرٌ من عِبَادَةٍ (٧) مِنَ الْعِبَادَاتِ مَا طَلَبَ مِنَ التَّكْثِيرِ من الذكر؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * ... } الْآيَةَ (٨)، وَقَوْلِهِ: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٩)، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} (١٠) بخلاف سائر العبادات.

ومثل ذلك (١١): الدُّعَاءُ، فإِنه ذِكْرُ اللَّهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَلْتَزِمُوا فِيهِ كَيْفِيَّاتٍ، وَلَا قيَّدوه بأَوقات مَخْصُوصَةٍ بحيث يشعر (١٢) بِاخْتِصَاصِ التَّعَبُّدِ بِتِلْكَ الأَوقات، إِلَّا مَا عيَّنه الدَّلِيلُ؛ كَالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، وَلَا أَظهروا مِنْهُ إِلَّا


(١) في (خ): "في".
(٢) في (خ) و (م): "ظهرت".
(٣) في (خ): "إذ لم تفهم منها الفرضية".
(٤) في (خ): "بذلك".
(٥) في (خ): "وعلى".
(٦) في (م): "وعدم".
(٧) في (خ): "لم يطلب في تكثير عبادة".
(٨) سورة الأحزاب: آية (٤١).
(٩) سورة الجمعة: آية (١٠).
(١٠) الآية: (٤٥) من سورة الأنفال. ومن قوله: "وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ} ... " إلى هنا من (ر) فقط، وسقط من باقي النسخ.
(١١) في (خ) و (م): "ومثل هذا".
(١٢) في (خ): "تشعر".